مجلة الإنسان

العدد الثاني عشر - سبتمبر 2021

تابعونا على : الفيس بوك

phone

افتتاحية العدد

بقلم رئيس التحرير .

في البداية أود أن أتقدم بخالص الشكر والتقدير لكل المفكرين الذين ساهموا في خروج هذه المطبوعة للنور ، وها نحن نواصل معكم التصدي لكل القضايا الهامة والمسكوت عنها في حياتنا الثقافية والعامة ، محاولين وضع جملة من الحلول لتلك القضايا .
يتصدر هذا العدد لقضية بالغة الحساسية وهي علاقة المثقف في بلادنا والسلطة، سواء كانت هذه السلطة زمنية او دينية ، وكيف نشأت هذه العلاقة والظروف الحاكمة لها .
لم يكن من السهل او اليسير تناول مثل هذه القضايا ، لكننا كنا حريصين علي أحداث نقلة نوعية في تناول قضايانا ، وفي خلق واقع جديد نسعي فيه لخلق واقع أفضل مما كانت عليه بلادنا في السابق .
أود في النهاية أن أتوجه بخالص شكري للقراء والمتابعين لنا في شمال إفريقيا وخاصة في المغرب وتونس ، والذين كانوا داعمين معنويا للمجلة .

د. سمير فاضل

المثقف والسلطة وأنا!

الأنبا مكسيموس

لم أعتد يومًا؛ المساومة على حريتي: الأمر الذي كلفني الكثير من المعاناة والاضطهاد كما حدث مع كثيرين غيري على مدي التاريخ، وكنا قد أسسنا مؤسسة المصريين قبل قرابة العشرون عامًا لتكون مؤسسة فكر كمؤسسة مجتمع مدني؛ وتلعب دورًا إضافيًا في التقارب الثقافي المسيحي الاسلامي
وبالطبع كنت قد عاصرت مرحلة القمع الاشتراكي (الشيوعي) للمفكرين المصريين؛ وكذلك القمع الفكري التمييزي الديني في حقبة حكم الرئيس المؤمن التالية للاشتراكي! ثم تلاها حقبة تأميم المثقفين مكبلين بحزب السلطة وتجريف الثقافة والعقل المصري، وكذلك عام الإخوان الأليم
المفاجأة التي هزتني بقوة - مع عدم إنكار استمرار الأجهزة الأمنية في أساليبها المفضلة حتى اليوم - هي أن رئيس مصر يصغي إلينا، ويستجيب لاقتراحاتنا وآرائنا، ويأخذ بها! ما هذا؟ هل هذا حلم نعيشه؛ أم حقيقة هذا ما يحدث!
لم ندخل ساحة إبداء الرأي برفق بل كنا من اليوم الأول صادقين وواضحين معه في إبداء الرأي؛ لكن الحق يقال أن استجاباته المتكررة لمقترحاتنا ولقاءاته الحوارية المتتابعة مع المفكرين والقادة والشباب على السواء؛ شجعتنا أن نكون أكثر صدقًا وصراحةً في التعبير عن نبض الشارع وطموحاته للتغيير وبناء الإنسان المصري على مدى ٧٢ عامًا هي سني عمري؛ عاصرت فيها كل حقب الجمهورية الأولي، واعيًا؛ لم أتخيل فيها علاقة بين المثقف والسلطة في مصر؛ على نحو ما حدث وما يزال يحدث ويتطور في عصر الرئيس عبد الفتاح السيسي
بقى أن أبوح بما في صدري؛ أن كثرة من مثقفينا تعايشوا مع عصور القمع وتأميم الفكر والثقافة لصالح كرسي الحكم؛ فلما جاء وقت الحرية والتعبير، وعلاقة متناغمة بين السلطة والمثقفين؛ لم يصدقوا؛ أو أن أقلامهم كانت قد جفت بغير عودة!

المثقف والسلطة في مصر .

img

شهد التاريخ المعاصر في مصر وتحديداً منذ عام ١٩٧١ تحولاً كبيراً في العلاقة بين المثقف وكلاً من السلطتين الزمنية والدينية ، وكان السؤال الذي يلُح علي كثيرين لماذا هذه الفترة تحديداً وليس قبل ذلك ؟
أري أن الفترة من يوليو ١٩٥٢ وحتي يناير ١٩٧١ كانت لها نخبتها الزمنية والدينية والتي هي منتج مرحلة تاريخية تختلف تماماً عما حدث بعد يوليو ٥٢ في مصر ، وبما أننا نتحدث عن تاريخنا المعاصر فقد أخترت أن تكون البداية من عام ١٩٧١ وهو العام الذي شهد تحولات كبيرة جداً في حياة مصر والمصريين وظهرت علي الساحة السياسية والدينية شخصيات هامة جداً سواء اختلفنا معها او اتفقنا فهذا له حديث آخر وأيضاً هام جداً .
ما يعنينا في الأمر وفي هذه الحقبة تحديداً هو ذلك المثقف الذي كان قد تشكل وعيه خلال السنوات من ٥٢ وحتي ٧١ ، وكيف تم أستخدام هذا المثقف لخدمة المشروعين الكبيرين في مصر في هذه الحقبة الهامة من تاريخها المعاصر ، وهي حقبة لم تحظَ بمحاكمة عادلة لكل ما حدث فيها ومنها.
أتفقت السلطتين الزمنية والدينية علي تقاسم السلطة والوضع في مصر ، السلطة الزمنية أختارت الكرسي والحكم ، وأختارت السلطة الدينية الشارع والناس والمؤسسات الدينية ، وكان هذا الوضع يحتاج إلي تشريع ووضع قانوني ، وقد كان ما لها ، وحدثت القسمة كما أراد كل فريق .
بدأت بعد ذلك المرحلة الأخطر في الصراع علي النخبة وعلي شروط كل سلطة في نوعية النخبة المطلوبة للعمل معها في هذه المرحلة البالغة التعقيد .
أختارت السلطة الزمنية شرط أن يكون دور المثقف الراغب في العمل معها أن يكون مفعولاً به وليس فاعل بأي حال من الأحوال، الفاعل سيكون أحد آخر في سراديب الدولة ، وهو من سوف يحدد توجهات كل مرحلة من المراحل وعلي أصحاب دور المفعول بهم تنفيذ تلك التوجهات بكل دقة .
أختارت السلطة الزمنية أيضا من سوف يقوم بدور المعارضة وبعناية شديدة جداً ، ولم تسمح لأي شخص أن يكون في دور المعارضة ، فهي وحدها صاحبة هذا الحق ، وشهدت مصر سباقاً كبيراً علي لعب هذا الدور ليس حباً ولكن بحثاً عن المكاسب الكبيرة ، وكان العقاب شديداً لكل من حاول أن يلعب هذا الدور دون أن يحصل علي موافقة السلطة الزمنية ليس كرهاً في هذا الشخص معاذ الله ، ولكن لأن المعارضين المفعول بهم كانوا يخشون علي كراسيهم من هؤلاء المارقين !! وشهدت أروقة التاريخ في مصر صراعاً كبيراً بين أصحاب المفعول بهم ومن كان يحاول أقتحام هذا الدور .
علي الجانب الآخر للسلطة الدينية سواءً كانت إسلامية أو مسيحية كان الوضع لا يختلف كثيراً سوي في الشكل فقط وليس المضمون ، خاصة وأن الطموحات كانت كبيرة جداً عند الجانبين المسلم والمسيحي ، وشهدت الساحة المصرية في ذلك الوقت صراعاً كبيراً علي ما أحُب أن أُسمية " رديف " الحياة العامة والذين لم يكن لهم مكان عند أصحاب السلطة الزمنية ، وكان من بينهم كُتاب ومثقفين وصحفيين وفنانين كانوا شباباً باحثين عن سلطة يعملون من خلالها وكفيَ ، والتقطت القيادات الدينية الخيط وبدأت في جذب أعداداً ليس بالقليلة من المغضوب عليهم من السلطة الزمنية .
شهدت هذه المرحلة أيضاً تحولات كبيرة في التوجهات الفكرية عند كثير من هؤلاء بعد أن دخل الصراع عليهم مرحلة المزاد ، وبدأ كل فريق يقدم اقصي ما لديه لجذب أكبر مجموعة تعمل له وتسانده في صراعه المرير مع السلطة الزمنية والذي بدأ يشتد مع حالة الطموحات السياسية عند أصحاب السلطة الدينية" إسلامية- مسيحية " ، و تحول كثيرين من اقصي اليسار " تجاوز اذا جاز أن نطلق عليهم ذلك " إلي اقصي اليمين الذي بدأ يسيطر تدريجياً علي المجال العام في مصر مدعوماً من السلطة الزمنية المهيمنة علي كل مقاليد الحياة .
لم تشهد الساحة في ذلك الوقت تحولاً من اليمين إلي اليسار خاصةً مع تراجع المزايا التي كانت تقدم في البداية لليسار ، والاكتفاء لمجموعة ديكورية تمثل هذا الدور وفقط .
وبدأت الساحة المصرية تشهد صراعاً محموماً بين الجميع وظهر التفكك الاجتماعي واضحاً ، والاستقطاب والطائفية هي العنوان الأبرز، وتراجعت الهوية الوطنية كثيراً ، في مقابل الدفاع الرهيب عن المعتقد الديني ، ووصلت الصراعات إلي الدفاع الرهيب عن قيادات هذه التيارات الطاءفية وأصبح المساس بشخص يمثل جريمة ، الانتصار للوطن تراجع جداً ، وأصبح الانتصار للمعتقد هو الأهم.
لا يجب أن ننسي دور هذا المثقف في هذا الصراع وفي خلق وصناعة الاستقطاب الحاد في المجتمع الذي تحول إلي ساحة للمكايدة وفقط ، بصرف النظر عن النتائج المترتبة علي هذا الأمر المهين علي مستقبل هذا الوطن الذي تراجع كثيراً في ذهنية مثقف وافق بكل الرضا أن يكون دورة مفعول به لصالح الشيطان.

بقلم / د سمير فاضل

قراءة في فكر أندريا غاندي

تعتبر السيدة أنديرا غاندي (1917- 1984) من الشخصيات التي ساهمتْ في التحضر، حيث أثبتتْ تجربتها بأنّ المرأة لا تختلف عن الرجل في مجال العمل السياسي، والأهم أنها كانت (مؤمنة) بالتعددية التي هي نقيض الأحادية، وقد تجسّـد هذا الإيمان بعشقها لتعدد الثقافات، واحترامها لكل أصحاب الديانات، ليس لأنها تأثــّـرتْ بعقلية وروح (غاندي) فقط ولا بوالدها نهرو(فقط) وإنما لأنّ عشقها للتعدد كان عن (عقيدة) آمنتْ بها، وهوما تجسّـد في سلوكها وقراراتها. وولعها بحفلات الأوبرا والموسيقى الكلاسيكية وقراءة الأدب العالمي.
ولعلّ هذا الإيمان بالتعددية هوما جعلها تكتب في مذكراتها ((كان طاغور اختصارًا لكل الأزمنة، يتحدث مع الحكماء عن حضارتنا، ويواكب مسيرة العصر الحديث، ويجمع بين الماضي والحاضر، ويـُـوفــّـق بين العالمية والمحلية، ولا يعرف ضيق الأفق، ولذلك كان يقول: العالم بيتي وجميع البشر إخوتي)) وكان فخورُا بقوميته الهندية ((وقد عبـّـر والدي عن الفكرة ذاتها فقال: ليس لأحد أنْ يكون عالميـًـا ما لم يكن وطنيـًـا. وكان كلاهما- والدي وطاغور- على حق فلم يفكر أحدهما بالعالمية من خلال الهرب من هويته الهندية)) وفى مسرحية طاغور(شيترانجادا) قالت البطلة لزوجها ((أنا شيترا. وأنا لستُ إلهة لأعبد. وأومن بحرية المرأة بنفس الدرجة التي أومن بها بحرية الرجل. وأومن بضرورة تحررهما معـًـا من جميع أنواع الخرافات))
فكان تعليق أنديرا إنّ ((مفهوم تفوق عنصر أو جنس أصبح مفهومًـا باليـًـا. وإذا قال البعض بوجود فروق بين المرأة والرجل في الأهلية والقدرة، فإنني أسألهم: ألا توجد هذه الفروق (نفسها) بين رجل وآخر؟ إن ما نريده هو مساواة حقيقية تساعدنا على تطوير مواهبنا))
وكما استشهدتْ بطاغور استشهدت بالشاعر اللبناني الكبير جبرن خليل جبران الذي قال عن الأطفال: ((بإمكانك أنْ تــُـعطيهم حبك وليس أفكارك... لأنّ لهم أفكارهم الخاصة))
وعن أهمية العلمانية لتحقيق العدالة كتبتْ ((إنّ التوازن الاشتراكي والسياسة التي ندعوها بالعلمانية ليست ضد أي دين، نحن نستهدف المساواة بين المواطنين، بغض النظر عن أديانهم)) والمساوة بين الناس ((ضرورة حتمية ليس فقط لأسباب إنسانية، بل أيضـًـا من أجل تطبيق الديمقراطية التي تــُـحتم المساواة، واشتراكيتنا تعطى أهمية أكبر للقطاع الحكومي (بجانب القطاع الخاص) وفى سنة1969تمّ انتخاب (جيرى) رئيسًـا للهند. ودار نقاش مجتمعي حول
1- حزب المؤتمر سيبقى مؤسسة جماهيرية، أم تنظيمًـا يتلاعب به حفنة من رؤساء الأحزاب؟
2- أم أنّ الحزب سيتشبث بالعلمانية والاشتراكية؟ (ص113، 173)
ونظرًا للإيمان بالعلمانية لذلك كان من الطبيعي أنْ تشهد الهند أعظم تجربة في تاريخ آسيا، حيث يكون منصب رئيس الدولة أو الوزير على أساس مواقفه الوطنية، وليس على أساس عقيدته الدينية، وهو ما حدث عندما اختارتْ أنديرا وزيرًا (مسلمًـا) لوزارة الإعلام. ومرة أخرى عندما تولى (زاكيرحسين) حقيبة وزارة المالية. وعندما اعترض البعض على ترشيحه ((ليس بسبب ديانته ولكن خشية أنه لن يفوز)) فقالت أنديرا ((فليخسر ولكن علينا أنْ نحاول)) وكانت النتيجة أنْ ((فاز مرشحى)) ومنصب وزير المالية شغله كذلك فخرالدين (المسلم) وذلك نظرًا لكفاءته وفى ولايات تضم غالبية هندوسية. ثـمّ كان التطور المذهل عندما أنتخب فخرالدين (المسلم) ليكون رئيس دولة الهند (ص125، 167) وهكذا بفضل العلمانية يكون رئيس الدولة من الأقلية الدينية (مسلم) ورئيس الوزراء من الأقلية الدينية (سيخ) بينما الأغلبية من الهندوس.
وكان الرئيس (المسلم) الثالث هو العالم الكبير (أبوبكر عبد الكلام) الذي عمل في مؤسسة تطوير الطيران، ثم أصبح مديرًا لمشروع إطلاق الأقمار الصناعية سنة69ونجح في إطلاق القمر الهندي ووضعه في مداره حول الأرض عام80. وقبل ذلك في عام74طوّرمع العالم (راجارامانا) أول تجربة نووية للهند وأطلق عليها (بوذا المبتسم) وطور الصواريخ البالستية، والكثير من الصواريخ المتوسطة المدى التي تحمل الرؤوس النووية. وكان المستشار العلمي لرئيس الوزراء عام92. وفى عام98 طوّر مع طبيب القلب (سوما راجو) دعامة تاجية للقلب بتكلفة منخفضة وسُـميتْ (دعامة الكلام- راجو) وفى عام2012عمل مع د. سوما في تصميم جهاز كمبيوتر للرعاية الصحية في الريف. وفاز في انتخابات الرئاسة وحصل على أكثر من 922 ألف صوت، مقابل107 ألف صوت لمنافسه، ولذلك أصبح الرئيس المنتخب لدولة الهند لمدة خمس سنوات من يوليو2002- يوليو2007.
وذكرتْ أنديرا أنها زارتْ الاتحاد السوفيتي عام67 وكان معي طلبات وزارة الطاقة الذرية الهندية. وكان إصراري حول ضرورة إنتاج القنبلة الذرية الهندية، ردًا على البرنامج النووي الصيني. وكان من رأيها أنّ موضوع (نزع السلاح النووي) لا يمكن أنْ يكون من جانب واحد. وإنما لابد من التوازن بين الدول التي تملك السلاح الذرى والدول التي لا تملكه. وزارها صحفي أمريكي وقال لها ((من الخطأ بالنسبة للهند الدخول في عالم الصناعة والطاقة الذرية)) فكان تعليقها: إنّ الغرب (وأمريكا) يريدون أنْ نبقى كما نحن، وأي شيء (لا يعجبهم) هو خطأ (ص155، 224) وفنــّـدتْ مصطلح (مساعدات) الذى تستخدمه الدول العظمى (مثل أمريكا) وقالت أنّ تلك الدول تحصل على المقابل بوسائل أخرى (مثل القواعد والتسهيلات اللوجستية والخضوع لشروط المؤسسات المالية الدولية) وأنّ أمريكا وأوروبا تفضلان التعامل مع الأنظمة الفاشستية والدكتاتوريات العسكرية (ص185، 187) وأعتقد أنّ كلام أنديرا في غاية الأهمية (لشعبنا وشعوب المنطقة العربية) فيما يتعلق بالوهم الذى عشـّـش في رؤوس كثيرين عن أنّ أمريكا والغرب تعملان على تطوير برامج التكنولوجيا للدول العربية.
وهذا الأمر أكــّـدته أنديرا بقولها: إنّ أوروبا لا تحب أبدًا الدول التي لا تنفذ أوامرها ولا تصغى إلى تعليماتها. ويـُـضايقها أنْ تــُـحقق الدول (غير المطيعة) النجاح. وقلتُ للرئيس الأمريكي نيكسون: إنّ باكستان تدعم الدول العربية. فقال لي: نعم باكستان تــُـصغى إلينا وأنتم ترفضون الاصغاء. فكان تعليق أنديرا: نحن في الهند نرفض أنْ نكون (نسخة من الغرب) وطبعـًـا هناك أمور علينا أنْ نتعلمها منهم في العلوم والتكنولوجيا، ولكن يجب أنْ نعتمد على أنفسنا حتى- كما قال غاندي- (يجب أنْ لا تــُـقتلع أقدامنا من هنا. وأنْ نحافظ على جذورنا)) (ص218، 228) ومع الوعي بأهمية التراث القومي، فإنّ أنديرا كانت (مؤمنة) بقانون التطور فكتبتْ إنّ أي نظام تناسب وصلــُـح في وقت وتاريخ معين لا يمكن أنْ يصلح لزمن ولمكان مختلف. وأنّ من يعتقد بغير ذلك مثل المؤمن بالخرافات. لذلك فإنني أرى أنّ العلم هو السبيل لمحاربة الخرافات، وكذلك لاستئصال جرثومة الكراهية الدينية التي تحدث بين الناس. وعلى العلماء أنْ يجعلوا مهمتهم المزيد من الأبحاث والاختراعات، فهذا هو سبيل هزيمة الخرافات (ص165)
وتعترف أنديرا أنه رغم إيمان غالبية الشعب الهندي بقيم العلمانية، فإنّ التعصب الديني والمذهبي لم تجتث جذوره نهائيـًـا، ومازالتْ آثاره في التربة الفاسدة، لذلك كلما وقعتْ بعض أحداث التعصب (سواء بين الأحزاب أو بين الفرق المذهبية) فإنّ أنديرا عبـّـرتْ عن مشاعرها قائلة ((لا توجد دموع في عيني.. بل يوجد الغضب في قلبي. العنف والنزاع يـُـلوثان حياة بلادنا. فكيف أرفع رأسي وأقول إنّ الهند دولة عظيمة؟))
ورغم ذلك الشعور بالأسى، فإنها ظلــّـتْ متمسكة بالجوهر الذي دافعتْ عنه كثيرًا، أي الاعتزاز بتاريخ الهند الحضاري وهو ما عبـّـرت عنه بقولها ((من الخطأ القول أنْ نتخلى عن جوهر تراثنا. ويجب أنْ نــُـدعـّـم وطننا بالإيمان بمعتقداتنا والثقة في أنفسنا (ص189) فكأنها بذلك كانت الامتداد الطبيعي للزعيم الروحي للشعب الهندي (المهاتما غاندي) الذي قال: يجب أنْ لا تــُـقتلع جذورنا من هنا. بل نحافظ على جذورنا (ص228) وعن العلاقة بين تمسكه بجذوره وانفتاحه على جميع الثقافات المختلفة قال ((إنني أرغب أنْ تهب على بيتي جميع ثقافات العالم، ولكنني أرفض أنْ تقتلعني من جذوري إحدى هذه الثقافات)) ورغم ذلك كانت نهايته المأساوية أثناء أحداث كشمير، ولأنه كان يطلب من الهندوس احترام حقوق المسلمين، لذلك أطلق عليه شاب هندوسي متعصب الرصاص، فودّع الحياة في يناير1948.

بقلم /أ طلعت رضوان

علاقة المفكر بالسلطة
(تأصيل تاريخي من خلال نماذج منتقاة)

- تعد علاقة المفكر بالسلطة إحدى أهم القضايا الشائكة في كل حقب تاريخ الفكر الإنساني، لقد تجسدت أول أزمة في علاقة المفكر بالسلطة في قصة إعدام سقراط ( 470ق.م - 399ق.م) في محاورة الدفاع ، تلك القصة التي وثقها كلا الفيلسوفين اليونانيين أفلاطون ( 427ق.م - 347ق.م ) وزينوفون ( 430ق.م - 345ق.م).
- اعتمد سقراط على الجدل في تحقيق رسالته التنويرية التي كان هدفها إنقاذ أثينا مما تموج به من فوضى ولا عقلانية ،طرح الأسئلة على الآخر في أكثر الأحيان تكون جدواها أكثر قيمة ونفعا من الحصول على الإجابات الجاهزة ،وكما أن لكل مفكر رسالته كذلك له أعداء، تمثل أعداء سقراط في ثلاثة أنواع من صور السلطة ( السلطة الكهنوتية الدينية - سلطة رأس المال - السلطة الزمنية ) اجتمعت تلك السلطات الثلاثة على ضرورة التخلص من ظاهرة " سقراط " الذى مثل تهديداً شديداً لمصالح هذه السلطات ولكل ما تستند إليه من زيف كشفه جدل "سقراط" مع كل أطياف المواطنين الآثينيين.
- لقد حققت تلك السلطات نجاحاً باهتاً قصيراً من خلال تمكنها من رشوة المحلفين وإلصاق تهمتي الإلحاد وإفساد الشباب بسقراط، لكن" سقراط" نجح بمثاليتهُ الخلقية في مواجهة تلك السلطات واستطاع أن يسطر بطولة خلدها تاريخ الفكر لذلك المشرع المسن الذي احترم قانون مدينته الذي شارك في تدشينه ورفض محاولة الهرب وتلقى تنفيذ حكم الاعدام بالسم وهو راض عن ختام مسيرته.
- كانت العصور الوسطى بجناحيها العربي والغربي وعلى امتداد قرونها الزمنية ساحة لا تخلوا من صور العلاقة التصادمية بين السلطة والمفكر، والصورة كما نقلتها لنا كتب التاريخ نجد فيها المفكر أعزل لا يمتلك إلا قلمه وكلماته ويتحالف ضده سلطتي الكهنوت الديني والسلطة الزمنية بكل ما تمتلكانه من قوة خشنة ترهق بها صاحب الفكر الحر وتكلفه ضريبة باهظة قد تصل إلى إنهاء حياته بالقتل أو بالحرق أو بأي صورة أخرى.
- في الجناح العربي كان " ابن رشد " ( 1126م - 1198) نموذجًا لعلاقة المفكر بالسلطة فتارة قرب وتارة أخرى عداوة لا هوادة فيها أحرقت مؤلفات الفيلسوف العربي (ابن رشد ) ،وتم إهانته وتعذيبه والتشهير به أمام العامة ، إنها نكبة العقل العربي ، ونذير شؤم أعلن أفول شمس التنوير العقلاني ، لقد قامت القوة الغاشمة ممثلة في تحالف السلطة السياسية من جانب، والسلطة الدينية من جانب آخر، بسحق أحد أهم مشاعل الحضارة والتنوير، ممثلاً في فكر( ابن رشد) ،وقعت في عالمنا العربي هذه الكارثة في الوقت نفسه الذى فتحت فيه أوروبا كل كياناتها العلمية والتعليمية لإبداعات العقل العربي بشكل عام ، والوقوف على فكر(ابن رشد) بشكل خاص ، كانت المؤلفات العربية والأعمال المترجمة إلى العربية عن لغات عديدة هي الوسيلة الوحيدة أمام أوروبا لمعاودة الاتصال بجذورها الحضارية اليونانية ، فضلاً عن سعى العقل الأوروبي للتزود بما أضافه العقل العربي من ابداعات وتراكمات علمية جديدة في مجالات العلوم الطبيعية والرياضية والميتافيزيقا والفنون والإنسانيات ، احترق العقل العربي وخبت جذوته الحضارية ، وضرب الضعف المميت جبهته وممثليه ، واستعرت نار الجهل والاستبداد فمزقت جسد الأمة وأزهقت روحها ، فورثنا حملاً ثقيلاً من تغييب العقل والتدني والتخلف الحضاري ، ولم نستطع حتى وقتنا هذا تحرير العقل العربي من براثن الظلاميات ، وإذا كان هناك من أحداث التاريخ ما يمثل دروساً مستفادة ، فأهم درس يمكننا استخلاصه من هذه الذكرى الأليمة البغيضة ؛ أنه من الضروري بذل الغالي والنفيس وتكريس ومضاعفة الجهود لمناصرة جبهة العقل والتنوير حتى لا تسقط أمام قوى و جحافل الظلاميات ، و أخطر صورها يتمثل في تحالف الاستبداد السياسي والكهنوت الديني ، قطعاً لم يكن الطريق ممهداً أمام الأوروبيين في مسيرتهم التنويرية، وانتصارهم للعقل ، وتحجيمهم لنفوذ الكنيسة ، ثم دحر الاستبداد السياسي ، والانتصار لحرية وكرامة الانسان ، لكن توافر الإرادة والمقدرة على تحمل ضريبة وخسائر مواجهات التنوير مع المتسلحين بالقوة الخشنة للسلطة يجعل المستحيل ممكناً ، إنها أولاً وأخيراً معركة ( النفس الطويل ) ، والتزود والانفتاح على كل نوافذ العقلانية والتنوير وصولاً للحضارة التي لم نستطع حتى يومنا هذا بلوغها أو وضع أقدامنا على مشارفها.
-وفى الجناح الأوربي في الحقبة نفسها واجه الفنانون والأدباء والفلاسفة بل وبعض رجال الدين من أصحاب إعمال العقل ، كل هؤلاء واجهوا ظلاميات سلطة الكهنوت الديني المخضع للسلطة الزمنية ، الأمثلة عديدة أشهرها " إسبينوزا " ( 1632- 1677) والذى تشابه مصيره مع مصير "ابن رشد " كذلك رجلي الدين المنشقان عن الكنيسة الأوروبية الكاثوليكية " مارتن لوثر"(1483- 1546)و " جان كلفن " (1509-1564)، ومن حلال جهود كل هؤلاء كتبت نهاية العصور الوسطى الأوروبية بكل ما فيها من ظلاميات ، ودخلت أوروبا عصر النهضة من بوابة الفن في إيطاليا ثم جاء دور الجامعات الأوروبية التي انتصرت للعقل وللعلم فأيدت رؤى كوبرنيكوس(1473- 1543) الكونية من خلال جهود جاليليو(1564- 1642 ) وأخرين وبمساندات نخب مستقلة وتقدمية انتصرت لنظريات العلم الجديدة وساندت أصحابها ضد ظلاميات سلطة العصور الوسطى ، أحرق برونو(1548 -1600) ونجى جاليليو، لم يكن الطريق ممهدا لانتصار العلم والعقل ، لكن مثابرة العلماء ومن معهم من فنانين وأدباء ووجود نخبة تقدمية جعلت السلطة الرجعية الزمنية أو الدينية تضعف بخسارة النقاط في جولات عدة عبر تاريخ الإنسان في عصوره الحديثة.
- جاء القرن السابع عشر وكان أشهر مفكريه فولتير (1694- 1778) ذلك الذى استطاع بقلمه وبقلم علماء الموسوعة أن يوجهوا الضربة القاضية لأخطر سلطة أعاقت أصحاب الفكر الإنساني الحر ألا وهى سلطة الكهنوت الديني فضلاً عن تفجير ثورة الشعب الفرنسي وإسقاط الرجعية الملكية في العام (1987).
- عرضت فيما سبق نماذج لمفكرين كانت علاقتهم تصادمية بالسلطة ، يبقى أن أقول أن هناك من المفكرين من اتسمت علاقتهم بالسلطة بصورة المساند والمؤيد على طول الخط ، من هؤلاء " شوبنهاور " ( 1788- 1860)، إنه ذلك الفيلسوف الذى انحاز للرجعيات بكل ما يملك من جهد وعون ضد جماهير ثورات الربيع الأوروبي في القرن الثامن عشر، كذلك يصدمنا " هايدجر "(1889- 1976) الفيلسوف الألماني وأحد أهم الفلاسفة على مر تاريخ الفكر ، هذا الفيلسوف ساند بضراوة النازية الألمانية وعلى رأسها " هتلر "(1889- 19459) وكان عضوا بالحزب النازي وتم تصعيده لمنصب رئيس لأحد لجامعات الألمانية بقرار موقع من الفوهرر " هتلر " وفى خلال رئاسته للجامعة اضطهد الطلاب اليهود ومنعهم من دخول مكتبة الجامعة حتى أن أساتذته اليهود لم يسلموا من هذا العقاب ، وكانت الفيلسوفة الألمانية "حنا أرنت" (1906-1970) تلميذته وحبيبته مثالاً على ذلك الشطط في علاقة التأييد المطلق من الفيلسوف لسلطة سياسية بعينها, قيل الكثير عن أسباب صعود النازية واستيلائها على السلطة في ألمانيا بعد الهزيمة المذلة في الحرب العالمية الأولي ، لكن رجعية النخب وانتهازيها كانت من أهم أسباب صعود نجم النازية وتمكينها من سرقة السلطة وتحويل منصب المستشار إلي (ديكتاتور ) بكل ما تحمله الكلمة من معني ، وصفت هذه النخب بالرجعية لانحيازها وتحالفها مع الاقطاع والأفكار البروسية البسماركية الاستبدادية ضماناً لمصالحها الشخصية ، وفي الوقت نفسه أظهرت تلك النخب عداء لا يلين تجاه الديمقراطية وكل الأفكار التقدمية التي تهدد الهيراركية الاجتماعية التقليدية المتوارثة عن " بسمارك "( 1815- 1890) مؤسس القومية الألمانية.
- وفى الحالة المصرية ومنذ العام 1919 لم تنتصر النخب المصرية - وأهم مكوناتها مفكروها - لقيم إنسانية هادفة لتغيير الواقع المصري المتردي بصورة كبيرة ، ودائماً ما كانت تحركات النخب رهينة بتحقيق المكاسب الشخصية والحفاظ علي الملكية الاقطاعية المتوارثة ، حتي أن قضية الاستقلال نفسها تم التلاعب بها في هذا الإطار ، فوجدنا من يقول : ( الاحتلال علي يد " سعد " خير من الاستقلال علي يد " عدلي " ) ، ومازال هذا الاتجاه ساريا حتي وقتنا هذا ، فكلمة " الوطن " يتم توظيفها من قبل المتسيدين للسلطة أو الطامعين المتصارعين لنيلها دون اكتراث بما يستحقه أو يريده الشعب من حقوق أساسية كالحرية والكرامة والديمقراطية والشفافية والتداول السلمي الحقيقي للسلطة.

بقلم د. مصطفى عبدالله

التنوير

img

لماذا تأخر التنوير العربي وما هي معوقاته؟
لأن هذا الجزء مهم جدا سأتناوله في أجزاء محاولا أن تكون متسلسلة ومترابطة
هذه صيغة مختصرة لمحاضرة ألقاها محمد شحرور في مؤتمر: حقوق الإنسان وتجديد الخطاب الديني، كيف يستفيد العالم العربي من تجارب العالم الإسلامي غير العربي؟ الذي انعقد في الإسكندرية في أواخر أبريل 2006. (الجزء الأول منها)
يقول المفكر محمد شحرور حين أدعو إلى "إصلاح فكري ثقافي ديني أولاً" إنما أفعل ذلك رداً على دعاة الإصلاح السياسي الذين يتجاهلون – لسبب أو لآخر – أهمية العامل الديني في تشكيل الثقافة العربية والوعي العربي، أهمية تبدو واضحة الأثر والتأثير في الحاضر والماضي، أهمية لاينفع التجاهل في نفي وجودها. فالإصلاحات يجب أن تسير – كما أرى – على نسق في وقت واحد معاً وليس على رتل. بعبارة أخرى لا يجوز – بل لا يمكن عملياً – إخضاع الإصلاحات لقائمة أولويات. من هنا، يصبح واضحاً تماماً ما أعنيه بقولي إن الدين هو المُكوّنُ الأساسي في الثقافة العربية، وإن أي إصلاح ثقافي في العالم العربي لابد وأن يمر عبر بوابة إصلاح ديني، اعتدت أن أسميه في كتاباتي "إصلاحاً دينياً" ، يتم من خلال قراءة الأحكام والنصوص الدينية قراءةً معاصرةً بعيداً عن التفاسير والاجتهادات التراثية. لقد تحالف – منذ القرن السابع الميلادي – هيمنات المؤسسة الدينية مع فراعين المؤسسة السياسية على تحويل ما جرى من أحداث وما ساد من ثقافة وفقه في القرنين السابع والثامن إلى دين يقر الاستبداد ويكرسة، ويربط طاعة الحاكم المستبد بطاعة الله والرسول، ويلزم الناس بطاعة "ولي الأمر" وفق تعاليم تلبس أحياناً لباس الحديث النبوي (ولا ندري هل هي أحاديث نبوية أم أموية؟!)، وأحياناً أخرى لباس الأحكام الفقهية.
شرعية الاستبداد
يستمر محمد شحرور قائلا هذه الثقافة التراثية الفقهية بالذات – التي امتدت وتراكمت زهاء ثلاثة عشر قرناً، بدءاً من معاوية وانتهاء بالسلطان عبد الحميد العثماني مروراً بالأمويين والعباسيين والفاطميين والأيوبيين والمماليك والعثمانيين – هي التي نعيشها ونعيش عليها اليوم ونحن نتاجها المباشر. وحين أطاح أتاتورك بنظام الخلافة منذ قرن تقريباً، لم يكن ذلك غيرة على الديمقراطية والعدل والمساواة التي ذبحها حكم الفرد المستبد باسم الخلافة، فقد ذهبت الخلافة كشكل، و بذهابها ذهب مفهوم شرعية الاستبداد، وبقي مضمونها الاستبدادي حياً في الفكر العربي والإسلامي وبالتالي في الأنظمة العربية كافة، فمصطلح المستبد العادل ما زال شائعاً في الثقافة العربية الإسلامية، ومازالت الأنظمة العربية إلى الآن تعيش نقصان الشرعية وهذا ما جعل كثير من الناس إلى الآن لايقاومون الحكم الاستبدادي إذا تم تحت شعار ما يسمى العدالة أو الوطنية، الأمر الذي يفسر لنا عدداً من الظواهر لا يمكن تفسيرها بدونه: عدم وجود فقه دستوري راسخ في التراث، وبالتالي انعدام الوعي الدستوري لدى الناس.
والسبب هو أن الفقه الدستوري يحتاج إلى إبداع، والإبداع معدوم في ثقافتنا الموروثة القائمة أساساً على النقل والتلقين والتقليد. وبالعكس وجود تراث هائل حول الخضوع والطاعة لأولي الأمر. وقد راجعت التراث الفقهي القديم والحديث عَلَّني أجد فتوى تجيز الخروج على المستبد حتى ولو كان مسلماً من أجل الحرية للناس جميعاً، فلم أجد خلال هذه القرون الطويلة بل وجدت العكس تماماً وهو الخضوع وتقبل الأمر الواقع. تقسيم العالم إلى دار كفر ودار إسلام دون أن يدخل المستبد في خانة الكفر.
لقد بدأت في النصف الثاني من القرن الماضي تظهر مشاريع حداثة وتحديث في المنطقة، منها الماركسي ومنها الاشتراكي ومنها القومي والبعثي والليبرالي، ومنها ما هو مزيج من هذا وذاك. لكنها باءت كلها بالفشل، وانتهت بانهيار الإتحاد السوفياتي والمنظومة الاشتراكية، وكان أحد أسباب فشلها تجاهل أهمية العامل الديني في تشكيل الفكر والثقافة. وظهرت بالمقابل شعارات تنادي "بحاكمية الله" وبأن "الإسلام هو الحل"، وباءت كلها بدورها بالفشل حتى الآن، ولم تنتج سوى المزيد من الاستبداد والمزيد من العنف الذي بلغ ذروته في أحداث 11/9 في الولايات المتحدة.
وكان السبب الوحيد لفشلها انطلاقها من أرضية فقه إسلامي تراثي تاريخي توهمت أنه يحوي الحقيقة المطلقة وهي بالذات ضحية ثقافة مريضة. وقد تأثرت الحركات الإسلامية السياسية والحركات القومية والتي هي من نتاج عصر التنوير الذي حصل في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين على أيدي الأفغاني ومحمد عبده وغيرهما في مصر وسوريا ولبنان والعراق. فقامت حركات إسلامية كحركة الإخوان المسلمين وأحزاب قومية كحزب البعث والقوميين العرب، لكن الطروحات كانت أقرب إلى الرومانسية منها إلى العقلانية. فقد تأثرت هذه الحركات السياسية الإسلامية والقومية بما يسمى بثورة أكتوبر في روسيا، قسمت الكون إلى عالمين، وتشكل لأول مرة في التاريخ المعاصر نظام استبدادي شمولي (توليتاري)
ولما كان ليس لدى الأحزاب القومية نظرية في الدولة والمجتمع، فقد تبنَّت الأطروحات الماركسية لتؤسس نظاماً شمولياً استبدادياً. ولم يكن تأثر الحركات الإسلامية أقل شدة. فالدولة الإسلامية المنشودة دولة شمولية حسب ما نسمع من طروحات، ودولة طالبان في أفغانستان والملالي في إيران هي النموذج المعاصر للدولة الإسلامية، التي لامكان فيها للحرية الفردية أو الجماعية. والإسلام السياسي ما زال يعيش على خدعة أساسها أن الله يزع بالسلطان مالا يزع بالقرآن، هي نفس الخدعة التي تعيش عليها الأحزاب الشيوعية، حيث سلطة الأمن والحزب والدولة هي التي تحرس النظام وتجبر الناس على الطاعة. وأن ما يطلقون عليه الإسلام الجهادي الذي يمارس العنف خرج من رحم هذه المفاهيم، ولانستغرب الآن تلاحم ما يسمى الحركات الإسلامية والقومية، لأن الفرق بينهما كان في الواجهات فقط . أما ما يطرحه البعض الآن عن "إسلام وسطي" بعد أحداث 11 سبتمبر، فهو "تخريجه" حديثة تتماشى مع الموضة من أجل التسويق الإعلامي. مانحتاجه الآن هو حركة تنويرية جديدة، تخترق الثوابت التي وضعت في القرنين الثاني والثالث الهجريين، ويتم على أساسها ظهور أحزاب جديدة، أو تطوير الأحزاب القائمة، وخاصة فيما يتعلق بنظرية الدولة والسلطة والدستور والتشريع. أما قيام الدول ونهضتها وانهيارها فيخضع لقوانين تختلف تماماً عن الأحكام الشرعية. فلا توجد أحكام شرعية و حتميات تاريخية. فقيام الدول وسقوطها يخضع للبراجماتية (النفعية) والتملك والشروط الموضوعية في المكان والزمان وعبقرية الأفراد والقادة. ووجود قيمة أخلاقية إنسانية يحرص عليها قادة الدول ومؤسسيها كالعدالة والحرية والنهضة والتقدم. وعلينا أن نؤكد أن قيام الدول وسقوطها لايخضع لشيء اسمه الضوابط الشرعية.

لواء مهندس /نصري نصر

الإبداع والتنوير

يُعتبر الإبداع الآن بمثابة الأمل الأكبر للجنس البشرى حاليًا لحل المشكلات التى تهدد مستقبل الإنسان. وبرغم انشغال السيكولوجيين منذ بدايات العصر الحديث باكتشاف الأفراد الأكثر ذكاء، إلا أن هذا الأمر لم يمنعهم من إدراك أن الذكاء وحده لا يكفى وأنه ليس هو المطلب الوحيد لدفع الحضارة نحو مزيد من التقدم، بل أصبح الإبداع هو الهدف، وهو الفاعلية التى عليها يتوقف مدى نجاح الإنسان أو فشله فى نضاله من أجل المعرفة وفى سعيه الدؤوب نحو ارتياد المجهول والوصول إلى الحقيقة.
والإبداع الذى نقصده فى سياق هذا المقال ليس الإبداع الفنى فحسب، بل إن الإبداع فاعلية متسعة تشمل الفن والعلم والسلوك وأساليب الحياة والعيش والتفكير. وفى عمليات الإبداع يتجاوز الإنسان دوره السلبى باعتباره مخلوقًا ليرتفع إلى مستوى الخالق، وعلى هذا النحو فإن النشاط الإبداعى أو الخلاق هو نشاط يضرب بجذوره فى تجارب الإنسان العاطفية والعقلية والحسية وفى إرادته أيضًا.
وينطوى الإبداع أو الخلق على عدة شروط أو سمات تميزه عن غيره من أنواع النشاط والإنتاج الإنسانى الأخرى، فالإبداع يتميز بالأصالة والتفرد والتلقائية والحرية والحداثية.
والإبداع لغويًاّ معناه الخلق على غير ذى مثال، وهذا التعريف يتجاوب مع التعريفات التى وضعها علماء النفس الغربيون فى القرن العشرين خالصة جليفورد وميدنك... ويكاد يتفق معظم هؤلاء العلماء على أن الإبداع هو نوع من التفكير التغييرى، الذى يستهدف إعادة تشكيل العناصر القديمة فى تكوينات وأشكال جديدة. ويقترب التعريف الذى يقدمه المفكر المصرى «مراد وهبة» من هذا المعنى فى كتابه «فلسفة الإبداع» حيث يُعرفه بأنه قدرة العقل على تكوين علاقات جديدة بين الأشياء من أجل تغيير الواقع. وهذا التعريف يضع فى حسابه مسألة أن الإبداع ليس فقط مجرد عملية عقلانية مجردة أو متعة ذهنية فقط، ولكنها عملية هدفها تطوير وتحسين وتغيير حياة البشر. وبهذا المعنى فإن كل إبداع يُمثل نوعًا من الثورة أو التمرد: الثورة على القديم والمعتاد والمألوف، والتمرد على كافة القيود والعقبات التى تحد من انطلاقات ومرونة الإبداع وتعوق حركيته.
إن الفضاء الذى من خلاله يعمل الإبداع هو المستقبل وليس الماضى، المستقبل هو الأفق الذى من خلاله ينطلق الإبداع ويمارس فاعلياته، إلا أنه مع ذلك نجد أن العدم يدخل فى نسيج الفعل الإبداعى، فكل إبداع هو موت لقديم، وبنفس القدر، فإن كل إبداع هو بعث وإحياء وميلاد.
والتنوير أو الأنوار كإحالة إلى النور هى عكس الظلام والظلامية، فإذا كان العصر الوسيط فى أوروبا يُشير إلى عصر الظلام، حيث تم إقصاء العقل واستبعاد الإنسان وسيطرة اللاهوت والكهنوت فإن التنوير يُشير إلى الحضور الطاغى للعقل وإلى تسيد الإنسان للمشهد الثقافى والحضارى، ولذلك فإن كانط الفيلسوف الألمانى يحدد التنوير بأنه الجرأة على استخدام عقولنا بلا حدود فى كل الجهات وفى كل الموضوعات. قاعدة أن نفكر دومًا بأنفسنا هى الأساس الذى عليه يتأسس كل تنوير حقيقى.
إن الإيمان بالعقل الذى هو مصدر الإبداع، والوثوق بالإنسان هما الأساس الذى قامت عليه حركة التنوير فى فرنسا وأوروبا خلال القرن الثامن عشر، وهما أيضًا الأساس الذى يمكن أن تتأسس عليه أى نزعة أو دعوة تنويرية.
وجدير بالذكر أن اهتمام عصر التنوير بالإنسان لم يكن مقتصرًا على الجانب العقلى فقط، بل امتد أيضًا إلى مشاعره وعواطفه وغرائزه وهذا ما يسميه «راندال» فى كتابه «تكوين العقل الحديث»، الجانب الأقل حظًا من العقل فى الطبيعة البشرية. فإذا كان عصر النهضة قد ركز على الجانب العقلى من الإنسان، فإن عصر التنوير كان تعبيرًا عن الاعتقاد بأن الحياة أوسع مجالًا من الذكاء، وأن العالم أكثر اتساعًا وغنى عن العالم الذى يصور علم الفيزياء.
لقد كان عصر التنوير فى أوروبا هو عصر الإنسان بأجمل صورة، وفيه ناضل المفكرون من أجل تحرير الإنسان: عقله، وروحه، وحواسه، كبداية لانطلاق العلوم والفنون، وكحافز على تقدم الإنسانية، وكانت عظمة الإنسان فى هذا العصر تدفعه إلى تحرير ذاته، وتحرير عقله بعقله، وهذا هو المعنى الأعمق للتنوير والإبداع معًا.
تُرى أين نحن من جدلية الإبداع والتنوير؟ هذا هو موضوع مقالنا القادم.

بقلم د. حسن حماد

أن الاوان يا ريس..

img

الجمهورية الجديدة والدولة الجديدة يتعين ان تكون ابتداء دولة علمانية ونظام حكم ديمقراطي.
كل الديمقراطية للشعب.. كل التفاني للوطن
لماذا ندعو للاهتمام بقضية الديمقراطية وفتح المجال امام التحول الديمقراطي المحتجز أبداً:
تكاد تجمع التقارير على ضعف بل وتواضع المشاركة الاجتماعية والسياسية للمصريين في عمومهم والقطاعات الشعبية الواسعة منهم خاصة لدى الشباب والنساء، اذ تسجل عزوفهم عن التفاعل مع قضايا ومشكلات مجتمعهم، وايثارهم لموقف الفرجة بما يفرضه عليهم من عجز وصمت. ونتصور بداية، وفى ضوء رصد وقراءات اولية لواقع المشاركة الاجتماعية والسياسية، ان حالة العزوف عن المشاركة يمكن ردها الى مجموعة من المتغيرات والعوامل التي تتفاعل معا لتخلق وتكون هذه الكتل الخاملة من الجماهير التي آثرت البقاء في مقاعد المتفرجين تجاه ما يحدث على ارض وطنهم، وما يحدث في شئون حياتهم. وأهم هذه العوامل او المتغيرات هي العوامل التاريخية اللبنانية التي شكلت ورسخت ما يمكن ان نسميه بثقافة الرضا بالمقسوم والاستكانة والخضوع والطاعة والصبر على المكروه والاستسلام للمشيئة أيا كان مصدرها. انها ثقافة الصمت والفرجة والطاعة والامتثال التي سَلبت المصريين قدرتهم على الابداع والفعل الخلاق، والمبادرة، أو عطلت هذه القدرات حال وجودها واستنفارها من اجل تجديد حياتهم وسعادتهم.
ان اصل الداء في الثقافة المصرية السائدة هو قيامها، في جانب منها، على فكرة الاستبداد والتسلط، استبداد وتسلط القوي بالضعيف والذكر بالأنثى، والكبير بالصغير، والحاكم بالمحكومين، والسلطة بالناس، في سياق من علاقات القهر والتسلط والطغيان والاحتكار في مقابل الخضوع والاستسلام، وهو واقع حول الكثير من القطاعات الشعبية الواسعة من المصريين الى كتل خاملة وخامدة تبدو وكأنها قد جُبلت على الاستبعاد من النهوض بمسئولياتها تجاه صنع حياتهم وتجديدها وهذه الوضعية تطرح ضرورة إحداث تغير جذري في التراث الثقافي المصري والمخزون المعرفي المتراكم في الشعور الجمعي لدى جموع المصريين والذى تم استدخاله واستدماجه خلال عمليات التنشئة والتطبيع الاجتماعي التي تعرضوا لها منذ ولادتهم وعلى امتداد حياتهم، وهو التراث الذى في إطاره يفهمون ويفسرون خبراتهم المعاصرة وسلوكهم وتصرفاتهم الآنية والمستقبلية، ويتحدد في ضوئه رؤيتهم لأنفسهم وللعالم المحيط بهم ولدورهم في هذا العالم، ولكل ما يحملونه من قيم ومعاني عن الحرية والعدل والكرامة وحقوق الانسان، والخير والشر، والحلال والحرام، والصواب والخطأ.
وفى هذا السياق تطرح مسألة بناء الديمقراطية ونشرها وترسيخها في المجتمع المصري كثقافة مجتمعية بديلة لثقافة الاستبداد والتسلط والقهر والخضوع والاستسلام.. عملية بناء الديمقراطية وترسيخها في كل مجالات الحياة المجتمعية بالنظر اليها كثقافة مجتمعية تنتشر وتسود بحيث يستخدمها الأب مع أسرته والأم مع أبنائها، والرجل مع المرأة، وفى قطاعات الاعمال، وفي المؤسسات التعليمية، في المدارس والجامعات، وفي تنظيمات المجتمع المدني وفي مجمل الحياة الاجتماعية اليومية لأهل مصر. وهذا الجانب الثقافي هو الأساس والقاعدة التي يقوم عليها وينطلق منها الجانب الإجرائي والعملي من بناء الديمقراطية.
ويتضمن الوجه الثقافي للديمقراطية ثلاثة ابعاد مهمة هي: اولها البعد المعرفي الخاص بتكوين وعى الناس وإنضاج هذا الوعي بمفهوم الديمقراطية بكل مشتملاتها من كفالة حرية الفكر والاعتقاد والتعبير والتنظيم والمساواة القانونية وسيادة القانون واحترامه، واحترام وكفالة حقوق الانسان، وحرية تكوين احزاب سياسية في إطار تعددي حقيقي، والانتخابات الدورية الحرة والنزيهة كأساس للمشاركة الشعبية واستقلال القضاة، والتداول السلمي الحقيقي للسلطة في سياقات قوامها الحرية والعدل والمساواة. والبعد الثاني هو الجانب الوجداني المتعلق بالقيم والاتجاهات الموجهة والضابطة والمرتبطة بالديمقراطية. كالعقلانية والعلمانية والعلمية والتسامح والنسبية والتعدد التنوع، وقبول حق الاختلاف والتعايش معه، والحوار والسلام، ونبذ العنف والتطرف. وهي القيم والاتجاهات التي تصبح طابعا مميزا للفكر وللأفعال السلوكية وعلى اساس المطابقة بين الفكر والعمل. اما البعد الثالث فهو المتعلق بالجانب السلوكي وهو الجانب المرئي للديمقراطية والذي يتم تنميته من خلال التفاعلات المجتمعية والاجتماعية الجارية في المجتمع. وهذه الابعاد الثلاثة تؤكد اننا بصدد قواعد وقيم وسلوكيات يمكن تعلمها وتمثلها في كل مؤسسات التنشئة الاجتماعية من الاسرة الى المدرسة. في المؤسسات الدينية ووسائل الاعلام وفى مؤسسات العمل. وانه بتعلم هذه القواعد والقيم السلوكية وبتمثلها في كل مستويات وجودنا الفردية والاجتماعية سنكون مهيئين للمطالبة بالديمقراطية وممارستها في المجال السياسي وعلى مستوى الدولة واجهزة الحكم.
وإذا كان هذا هو الهدف الاستراتيجي العام لنشر ثقافة الديمقراطية والذي يتحدد بضرورة إحداث تغيير جذري واسع النطاق في الثقافة السائدة والمزاج العام السائد لدى عموم المصريين لأجل انجاز اصلاح ديمقراطي حقيقي فان هذا الهدف الاستراتيجي يمكن تجسيده في مجموعة من الاهداف الاجرائية تتحدد فيما يلي:
1. زيادة وإنضاج وعى القطاعات الشعبية المصرية وخاصة الشباب والنساء بمفاهيم العلمانية الديمقراطية وحقوق الانسان والعقلانية والفكر النقدي من خلال نشر المعارف المتصلة بهذه المفاهيم والمبادئ.
2. تعبئة الفئات المستهدفة وتحفيزهم على المشاركة والنهوض بمسئولياتهم تجاه صنع حياتهم وتجددها من خلال تشجيعهم وتدربيهم وحفزهم على المشاركة في حوارات مفتوحة عن ماهية العلمانية والديمقراطية والحرية وحقوق الانسان والعدالة والعقلانية والمواطنة ليكونوا في النهاية مواطنين على درجة من الوعي والتنظيم الذي يؤهلهم للتفاعل وتحمل مسئوليه واجباتهم المدنية كمواطنين احرار.
3. نشر التسامح الديني والاحترام المتبادل لأصحاب العقائد المختلفة وقبول الحق في الاختلاف والتعايش معه وتشجيع ثقافة الحوار ونبذ التعصب والتطرف.
4. الوعي بحقوق الانسان وكفالتها لكل المصريين ودعمها واحترامها والدفاع عنها.

بقلم / د.عبد الله شلبي

كيف نتعامل مع وجود الله

أتعرفون أنه في الوقت الذي يقلقنا وجود الله وكيف علينا أن نتعامل مع هذا الوجود وهل نتعامل بالكيفية التي تعامل بها أسلافنا أم علينا ابتكار طرق جديدة في تعاملنا مع الله بما ينسجم وتطور الحياة والناس… .. في ذات الوقت هناك من يقلقه الوجود نفسه وكيف يمكن تطويره واكتشاف اسراره واستثماره لتغير حياة الناس وجعلها افضل واسهل وأكثر متعة وسعادة وليقلقه وجود الله وكيف سيتعامل معه مادام يدير حياته كما ينبغي بضمير حي وعقل منفتح وقلب يغمره الحب لكل أبناء البشر ولا أتصور ان الله سيطلب منا أكثر من ذلك ولهذا ميزنا بالعقل… لذلك فأرقى صور الإيمان هي اِنعكاس المحبة علينا في سلوكياتنا اتجاه الناس، وأفضل العبادات هو العلم والتعلم والوعي لاستثمار ما في الكون لخدمة الناس، وأحسن طرق الإخلاص لله هي في البحث عما يرتقي بالناس بعقولها وقلوبها وأرواحها … فليس هدف الله من خلقنا هو الاستسلام فقط لقدره ومشيئته والتخلي عن كل ما يطور الحياة بحجة الخضوع لإرادة الله فينا والاخلاص له لأن الله لم يخلقنا لنفسه بل خلقنا لأنفسنا ولاكتشاف أسرار كونه وإبداع خلقه …… وهناك فرق شاسع بين الإيمان بالقدر والاستسلام له لأن الإيمان مصحوب بالقوة والعمل على تغير الواقع بكل الوسائل المتاحة والمشروعة أما الاستسلام فمصحوب بالضعف والتخلي عن الحياة واِنتظار الفرج من الله بقدرته على تغيير الواقع… لذلك فالقدر هو ما نصنعه نحن بإرادتنا الحرة وإلا لما كان الله ليحاسبنا على حياة يسيرنا بها حسب إرادته ومشيئته وهذا لا يتعارض مع الإيمان بأي شكل من الأشكال… أما العبادات فهي وسيله خاصة جدًا يمارسها العبد اتجاه ربه ليمنحه القوة لتحقيق إرادته وغايته النبيلة على أن لا تتحول العبادات وطقوسها إلى غاية بحد ذاتها فتكون مبررًا للاستسلام والتطرف والخضوع
...تقبلوا محبتي

بقلم ا. أبتهال عبد الوهاب

جيوبلوتكس الفوضى وتجديد الطلبان: أصول تشابك القاعدة مع الطلبان

img

في أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر ، أخبر الرئيس بوش الرأي العام الأمريكي أن جماعة القاعدة الإسلامية المسلحة كانت مسؤولة عن الهجمات المدمرة وأن نظام طالبان في أفغانستان وفر ملاذًا آمنًا للتنظيم الإرهابي. لقد مزجت وسائل الإعلام السائدة وإدارة بوش بين طالبان والقاعدة ، مما جعل الجماعتين كيانًا إرهابيًا واحدًا في نظر الجمهور الأمريكي. ومع ذلك ، لم تلعب طالبان أي دور في هجمات الحادي عشر من سبتمبر ، ولم يكن لديها علم مسبق بالهجمات ، وأدانت الهجمات علنًا ، وقدمت العديد من الخيارات المختلفة للولايات المتحدة لمحاكمة أسامة بن لادن على جرائمه. المنظمتان منفصلتان ولديهما أهداف وأيديولوجيات ومصادر تجنيد مختلفة تمامًا. عندما غادر السوفيت أفغانستان بعد عشر سنوات من حرب دموية ومكلفة في عام 1989 ، انزلقت أفغانستان في الفوضى وتبخر ما تبقى من نظام نجيب الله لم يكن له أي سلطة كبيرة وانهار في عام 1992. ساعدت المخابرات الباكستانية في تشكيل حكومة انتقالية تتألف من قادة المجاهدين السابقين في عام 1992 ، ولكن سرعان ما تنافس القادة على السلطة وتلا ذلك حرب أهلية . انقسم المجاهدون الذين كانوا شبه متحدين خلال الحرب وقاتلوا السوفييت وأصبح كل قائد مجاهد أمراء حرب يحكمون مناطق معينة في أفغانستان. أقام كل قائد نقاط تفتيش خاصة به تتطلب اللجان وقتل المارة الأبرياء أو إجبار الناس على العمل كعبيد. اشتبك القادة المتنافسون مع بعضهم البعض على السلطة ودفع الأفغان الأبرياء الثمن.
يعرف الأفغان هذا الوقت من الفوضى والهمجية الإقطاعية على أنه "زمن الرجال المسلحين".
التقى الملا سلام عبد الضعيف ، المجاهد السابق خلال الحرب السوفيتية ، مع زملائه من المجاهدين السابقين وقرر أنهم بحاجة إلى بناء قوة كبيرة بما يكفي لمواجهة أمراء الحرب ، للدفاع عن حقوق جميع الأفغان ، وإقامة النظام والعدالة. كانوا يعتقدون أن هذا لا يمكن أن يتم إلا بدعم من الناس. استشاروا الملا محمد عمر وطلبوا منه أن يكون زعيم الحركة الجديدة. في البداية رفض ، لكنه سرعان ما قبل المنصب. في خريف عام 1994 ، تجمع حوالي خمسين شخصًا في مسجد في سانجيسار وأسسوا حركة طالبان رسميًا مع مولوي عبد الصمد كأمير والملا عمر كقائد لطالبان. اجتاحت طالبان قندهار وتطهير المدينة من أمراء الحرب. قاموا بتفكيك العديد من نقاط التفتيش وحواجز الطرق التي استغلت الأفغان المسافرين وفرضوا قواعد سلوك قبلية تقليدية بالإضافة إلى نظام مدني قائم على الشريعة. وسرعان ما توسعوا إلى مقاطعات أخرى وسيطروا على كابول في سبتمبر 1996. أنشأت طالبان إمارة أفغانستان الإسلامية وكان الملا عمر أمير المؤمنين ، أي أمير المؤمنين.أو "حاكم كل المسلمين". وقد أعطى القضاء على أمراء الحرب والنظام الذي أنشأته طالبان "طمأنة المجتمع الذي أصيب بصدمة بسبب قرابة خمسة عشر عامًا من العنف ... وقدم لحظة توحيد نادرة في تاريخ المنطقة". اعترفت باكستان والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة بحركة طالبان كحكومة شرعية لأفغانستان في 25 مايو 1997. يمكن أن يُعزى نجاح الحركة إلى الدعم الشعبي الجماهيري الذي حظيت به من الأفغان العاديين. بحلول عام 2000 ، سيطرت طالبان على تسعين بالمائة من أفغانستان باستثناء أجزاء من الشمال.
سعت طالبان إلى إصلاح أفغانستان. كان لديهم منظور محلي وآفاق محدودة واهتمامات فورية. إن محنة الفلسطينيين والكشميريين والشيشان والمسلمين في أماكن أخرى لم تهم طالبان. في الواقع ، ربما لم يكن لدى البعض أي معرفة بهذه النزاعات. لقد حصروا جهادهم في أفغانستان فقط. من وجهة نظرهم ، إذا أعلنت جماعات مسلحة أجنبية أخرى الجهاد ضد حكوماتها أو الدول الغربية ، فلا بأس بذلك ، لكن ذلك لم يكن معنياً بأفغانستان. لم يتجاوز هدفهم أبدًا إنشاء "نسخة طالبان من المدينة الفاضلة داخل حدودهم". علاوة على ذلك ، فإن طالبان لم تكن قلقة للغاية من خطر الغرب ، وبدلاً من ذلك ، بدأوا في بناء علاقات حميمة مع حكومة الولايات المتحدة وشركة النفط الأمريكية UNOCAL . تاريخيًا ، كانت أفغانستان مختلفة عن الشرق الأوسط وجنوب آسيا من حيث عدم وجود تقليد معين لمناهضة الغرب ، باستثناء ازدراء البريطانيين . يمكن أن يفسر هذا سبب "سعي عدد قليل من الأفغان للانضمام إلى حركات دولية مثل القاعدة ، وعدم مشاركتهم في أنشطة خارج أفغانستان أو منطقة الحدود الباكستانية".
انخرط مؤسس القاعدة ، أسامة بن لادن ، لأول مرة في الجهاد في أفغانستان عندما فتح منزلاً نصف الطريق في المملكة العربية السعودية للمجندين الذين يسافرون إلى أفغانستان للقتال في الجهاد. قدم تدريبًا عسكريًا أساسيًا للغاية لطلاب المدارس الثانوية والكليات ، بالإضافة إلى جمع الأموال للجهاد. ساهم الأفراد الأثرياء ، بمن فيهم أفراد من العائلة المالكة السعودية ، في القضية وقدمت الحكومة السعودية خصومات كبيرة لشركات الطيران إلى باكستان. يشرح لورنس رايت: "شعر الناس الذين احتشدوا للجهاد الأفغاني أن الإسلام نفسه مهدد بتقدم الشيوعية. أفغانستان تعني القليل لمعظمهم ، لكن إيمان الشعب الأفغاني كان يعني الكثير ". عندما ذهب بن لادن أخيرًا إلى باكستان ودخل أفغانستان ، رأى أن الأفغان العرب لم يتم تدريبهم بشكل صحيح ، واقترح أن يتولى هو والباحث والصوفي الفلسطيني عبد الله عزام مسؤولية الأفغان العرب وخلق دور رسمي لهم. أنشأوا مكتب الخدمات في بيشاور الذي وفر السكن والخدمات للعرب القادمين للقتال في الجهاد. ومع ذلك ، لم يكن الأفغان العرب قوة كبيرة في الحرب ضد السوفييت ، وقدرت أعداد العرب الأفغان الذين يقاتلون في أي وقت بنحو ألفين ، مقارنة بـ 250 ألفًا من المجاهدين الأفغان. على الرغم من رفض القادة الآخرين ، أنشأ بن لادن أول معسكر للعرب في جاجي في عام 1986 ، كجزء من خطة أكبر للجهاد بعد الحرب السوفيتية من خلال إنشاء فيلق عربي يمكنه الدفاع عن القضايا الإسلامية في كل مكان . التقى أسامة بن لادن وأيمن الظواهري - طبيب مصري ومؤسس جماعة الجهاد الإسلامية المصرية والزعيم الحالي لتنظيم القاعدة - لأول مرة عندما حضر بن لادن محاضرة في المستشفى حيث كان الظواهري طبيباً في السعودية. شبه الجزيرة العربية. لقد كانا يكملان بعضهما البعض بشكل جيد ، مما يملأ المكان الذي يفتقر إليه الآخر. كان الظواهري بحاجة إلى المال والاتصالات ، وهو ما يمكن أن يوفره بن لادن بسخاء. كان بن لادن بحاجة إلى التوجيه ، وقد وفره الظواهري ، وهو دعاية مخضرم. ومن المثير للاهتمام ، أنه حتى التقى بن لادن مع الظواهري ، "لم يعبر أبدًا عن معارضته لحكومته أو الأنظمة العربية القمعية الأخرى" ، وبدلاً من ذلك ركز جهوده على طرد السوفييت من أفغانستان. مع بدء الحرب بالانحسار عام 1988 بدأ التوتر يتصاعد بين عزام والظواهري ، لأن كلاهما كان لهما أهداف مختلفة لما بعد الحرب وكلاهما يريد استخدام بن لادن لتحقيق تلك الأهداف. زعم عزام أنه ضد القتل العمد للمدنيين وأراد التركيز على تحرير فلسطين ، ثم تحرير المسلمين المضطهدين في مناطق أخرى. بينما أراد الظواهري أن يبدأ ثورات في بلاد إسلامية. كان لدى بن لادن أهداف مختلفة قليلاً عن الرجلين. أراد أن ينقل الصراع إلى الفلبين وكشمير وخاصة جمهوريات آسيا الوسطى حيث يمكن أن يستمر الجهاد ضد الاتحاد السوفيتي. لم تكن الولايات المتحدة هدفًا بعد. بينما أراد الظواهري أن يبدأ ثورات في بلاد إسلامية. كان لدى بن لادن أهداف مختلفة قليلاً عن الرجلين.
في اجتماع في بيشاور في 11 آب 1988 اجتمع قادة الفيلق العربي لمناقشة مستقبل الجهاد. ونتيجة للتصويت ، شكلوا منظمة جديدة أسندت إليها مهمة مواصلة الجهاد بعد مغادرة السوفييت لأفغانستان. وقرروا خطة تنص على "تقدير أولي ، في غضون 6 أشهر من تنظيم القاعدة ، سيتم تدريب 314 أخًا وجاهزًا". بالنسبة لمعظم الحاضرين في هذا الاجتماع ، كانت هذه هي المرة الأولى التي يسمعون فيها اسم القاعدة ، وهو ما يعني القاعدة بالعربية. في 20 أغسطس ، اجتمعت نفس المجموعة من القادة وأسسوا رسميًا التنظيم الذي أطلقوا عليه اسم القاعدة ، "القاعدة المذكورة هي في الأساس فصيل إسلامي منظم ، هدفها رفع كلمة الله ، " ونصرا الله دينه". قاموا بتقسيم مهام المنظمة إلى قسمين: مدة محدودة ومدة مفتوحة. حددت المدة المحدودة أن يتم تدريب الأفغان العرب ووضعهم مع المجاهدين لما تبقى من الحرب. حددت المدة المفتوحة أنه بعد الحرب يجب اختبار العرب واختيار أفضلهم ليصبحوا أعضاء في القاعدة. اختارت المجموعة بن لادن لقيادة التنظيم. وذكر بن لادن أنهم أطلقوا على الجماعة اسم القاعدةلأن "أبو عبيدة شكل معسكرًا لتدريب الشباب على محاربة الاتحاد السوفيتي القمعي والملحد والإرهابي حقًا. لقد أطلقنا على ذلك المكان اسم القاعدة - بمعنى أنه كان قاعدة تدريب - ومن هنا جاء الاسم ”. عندما غادر السوفيت أفغانستان في عام 1989 ، وجه المجاهدون أسلحتهم على بعضهم البعض. عاد بن لادن إلى المملكة العربية السعودية للتشاور مع المخابرات السعودية ورئيس أركان الأمير تركي لتحديد من يدعم في الحرب الأهلية الأفغانية التي تلت ذلك ، وقال رئيس الأركان إنه من الأفضل المغادرة فقط .
كما هو موضح ، تشكلت القاعدة لمواصلة الجهاد بعد الحرب السوفيتية وتحويله إلى صراع عالمي. على النقيض من طالبان ، كان للقاعدة منظور عالمي ، وآفاق موسعة ، وأهداف طويلة المدى. كانت محن الفلسطينيين والكشميريين والشيشان والمسلمين في كل مكان مصدر قلق كبير. كان الهجوم على الإسلام في أفغانستان مجرد مثال واحد على اضطهاد المسلمين ، لكن لم تكن لهم مصلحة في أفغانستان تتجاوز طرد الغزاة الملحدين. من الأهمية بمكان فهم الخلفيات الجغرافية والثقافية والعرقية ومصادر واهداف القاعدة وطالبان للتمييز بين المجموعتين. جاء كل من مؤسسي القاعدة الأكثر نفوذاً ، الظواهري وبن لادن ، من عائلات بارزة وكلاهما كانا متعلمين جيدًا. كان الظواهري طبيبًا مصريًا ماهرًا جدًا ، كما التحق بن لادن بواحدة من أفضل المدارس الثانوية في المملكة العربية السعودية وتخرج من جامعة الملك عبد العزيز في عام 1980. . كانت عائلة بن لادن قريبة من العائلة المالكة السعودية وكانت عائلته تمتلك الشركة الناجحة للغاية بملايين الدولارات مجموعة بن لادن السعودية. المجندون الأوائل للقاعدة كانوا عرب أفغان من الحرب السوفيتية. تباينت خلفيات العرب الذين ذهبوا للقتال في الجهاد ضد السوفييت. سحرت تعاليم عزام الاستشهادية ودعوات الجهاد الكثير من الشباب العرب. لقد اعتبروا أنفسهم كقوة بلا حدود مكلف بها الله للدفاع عن الشعب المسلم بأسره. اجتذب الموت والاستشهاد بشكل خاص أولئك الذين عانوا من القمع الحكومي والحرمان الاقتصادي. بدأ الاستشهاد والجنة أكثر جاذبية من آلام الحياة. في حين ضمت مجموعة أخرى من الأفغان العرب أولئك الذين لديهم فضول للجهاد ، وتوق إلى المغامرة ، ويريدون طريقة مثيرة لقضاء فترة الراحة. جاء الكثير منهم من عائلات ثرية وكان الذهاب للقتال في الجهاد قد وفر معنى أعمق لحياتهم الدنيوية أو التافهة. ضمت هذه المجموعة شباب مدلل من الخليج جاءوا في رحلات ، البقاء في حاويات البضائع المكيفة ؛ تم تزويدهم بقذائف آر بي جي وبنادق كلاشينكوف ، والتي يمكنهم إطلاقها في الهواء ، ويمكنهم العودة إلى ديارهم ، متفاخرين بمغامراتهم . كان معظمهم من طلاب المدارس الثانوية أو الجامعات .
عاد بن لادن وبعض عناصر القاعدة إلى أفغانستان عام 1996 ، بعد قضاء بعض الوقت في السودان. خلال فترة إقامتهم ، لم يكن عملاء القاعدة يتمتعون بشعبية لدى طالبان أو غيرهم من الأفغان لأن أعضاء القاعدة كانوا أثرياء ومتطورين وعالميين. بالإضافة إلى ذلك ، كانوا عنصريين تمامًا وكانوا ينظرون إلى الأفغان على أنهم غير متعلمين. استاء الأفغان من الغطرسة التي قادوا بها سياراتهم المكيفة الجديدة اللامعة التي حجبت النوافذ ولوحات أرقام سيارات دبي .
توسع الجهاد في السنوات التي أعقبت الحرب السوفيتية وأصبح حركة معولمة بالفعل. لا تتخذ القاعدة أي إجراء رسمي للتلقين أو التجنيد. بدلاً من ذلك ، يعتمدون على جذب مجموعة واسعة من المتطوعين الذين ينضمون لأسباب متنوعة. مجندو القاعدة لا يشتركون في ممارسة موحدة للتعبئة الدينية أو السياسية. لا توجد قواسم مشتركة طائفية أو أيديولوجية أو عرقية أو طبقية أو شخصية توحدهم. في أعقاب هجمات 11 سبتمبر ، صرح بن لادن أنه لا توجد مدرسة مقبولة للشريعة الإسلامية توحد االمجاهدين . في الواقع ، يتلقى معظم مقاتلي القاعدة تعليمًا علمانيًا ، بدلاً من التعليم الديني ، ويلتحق الكثير منهم بالجامعات الأمريكية. وبدلاً من ذلك ، يقومون بشبكة النشطاء من خلال توفير المعلومات والاتصالات والتدريب والتمويل. يفسر هذا الافتقار إلى التوحيد الشرعي كيف عرف المواطن المصري والمقيم الألماني ، محمد عطا ، الذي قاد عمليات الاختطاف ، بأنه متدين للغاية ، بينما كان بعض رفاقه يشربون الكحول ويقامون ويستمتعون بنوادي التعري. أيضا، تم وصف الرجال المشتبه في مسؤوليتهم عن تفجيرات عام 2004 في مدريد بأنهم يبدون غربيين ومندمجين في المجتمع الإسباني ، ويحبون كرة القدم والأزياء والشرب والصديقات الإسبانيات ... ويقال إن أصدقاءهم الإسبان من بينهم نساء يمارسن الرياضة. قمم المحاصيل ، والوشم ، والثقب . إن العديد من أعضاء القاعدة على درجة عالية من التعليم ويمكن أن يتحدث بعضهم العديد من اللغات المختلفة. على سبيل المثال ، كانت هناك إشارات إلى يسوع وأرسطو ، وبشكل مثير للصدمة إلى كتاب منااحيم بيغن كثير من أعضاء القاعدة على درجة عالية من التعليم ويمكن لبعضهم التحدث بالعديد من اللغات المختلفة.
على النقيض من العرب الكوزموبوليتانيين الذين شكلوا قاعدة أعضاء القاعدة ، وصف عزام الأفغان بأنهم يمثلون "الإنسانية في دولة أصيلة - شعب صالح ، ورع ، ما قبل الصناعة - يكافح ضد القوة الوحشية ، التي لا روح لها ، والميكانيكية للحداثة". بسبب الحرب والنزوح والفقر والموت المبكر العنيف الذي ابتليت به أفغانستان منذ سبعينيات القرن الماضي ، لم يمر أي أفغاني دون سن الحادية والعشرين في عام 1996 بفترة سلام. معظم هؤلاء الأفغان اللذين شكلو مجندي طالبان ، كانوا أيتامًا نشأوا في مخيمات اللاجئين في باكستان. كان الحل بالنسبة لهؤلاء الأولاد الأيتام هو تسجيلهم في المدارس الإسلامية ، التي تتبع منهاج مدرسة الفكر الديوبندي السنية الحنفي الإسلامية ، لأنهم كانوا المؤسسات الوحيدة التي يمكن أن تعتني بهم لأنهم وفّروا لهم السكن والمأكل والتعليم. . الامر الذى عزز الانضباط العقلي والأخلاقي المكثف من خلال تنظيم صارم للسلوك الشخصي . قام حزبان دينيان باكستانيان ، هما جمعية علماء الإسلام والحزب الإسلامي ، بإنشاء وإدارة شبكات واسعة من المدارس الدينية التي تنتشر على الحدود الأفغانية الباكستانية. جاء مؤسسو طالبان في الغالب من رابطة علماء الإسلام. هذا النقص في المعرفة أو التفاعل مع النساء يمكن أن يفسر جزئياً السياسات والممارسات القمعية لنظام طالبان الذى يتم تشكيله.
تطورت حركة طالبان كحركة باشتونية لأن حركة طالبان الأصلية كانت من البشتون ، وبدأت الحركة في منطقة قندهار ذات الغالبية البشتونية ، وكان شباب مخيمات اللاجئين والمدارس الدينية في باكستان من البشتون ، ويمكن أن يعزى نجاح طالبان في هزيمة أمراء الحرب لقدرتهم على تعبئة السكان البشتون الأفغان. في حين أن طالبان لا تزال في الغالب من البشتون ، توسعت الحركة وضمت العديد من الجماعات العرقية المختلفة. بالمقارنة مع المجموعات العرقية الأخرى في أفغانستان ، فإن البشتون هم مجتمع قبلي متحدي. وهم مقسمون إلى ما يقرب من ستين قبيلة ، بما في ذلك أكثر من أربعمائة عشيرة فرعية. يعتبر البشتون من أكبر المجتمعات القبلية في العالم. إن فهم ثقافة البشتون أمر بالغ الأهمية لفهم طالبان. السمتان الرئيسيتان المحددتان للباشتون هما لغتهم الهندية الإيرانية - الباشتو - والالتزام الصارم بالباشتونوالي. الباشتونوالي هي مجموعتهم القديمة من العادات القبلية وهي مدونة سلوكية قائمة على الشرف والتي لا تزال تنظم كل العلاقات الاجتماعية. أحد الجوانب المهمة للباشتونوالي وهو الولاء المخلص للأمة البشتونية. إن الدفاع عن ثقافة البشتون من التدخل الأجنبي وحمايتها من التفكك بسبب التهديدات الخارجية أمر بالغ الأهمية.
في الفترة التي سبقت عام 2001 ، كان للقاعدة وطالبان أهداف مختلفة للغاية (ولا تزال تفعل ذلك). كان لطالبان ثلاثة أهداف من 1994 إلى 2001: تطهير أفغانستان من أمراء الحرب الفاسدين وإحلال النظام في أفغانستان ، وإنشاء حكومة فاعلة لإمارة أفغانستان الإسلامية على أساس الشريعة الإسلامية ، والحصول على اعتراف دولي. حتى بعد سيطرة طالبان على كابول والسيطرة على تسعين في المائة من البلاد ، كانت طالبان والتحالف الشمالي لا يزالان يقاتلان ، وحاولت طالبان يائسة السيطرة الكاملة على أفغانستان. في البداية ، ومع ذلك ، لم يكن تشكيل الحكومة بأنفسهم والحكم على أفغانستان جزءًا من جدول الأعمال. كان هدفهم هو إحلال النظام في أفغانستان ، وتنصيب حكومة تحكم وفقًا للشريعة الإسلامية ، والعودة إلى حياتهم وهم يدرسون الإسلام. بعد فترة وجيزة من اعتراف باكستان والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة بحركة طالبان كحكومة شرعية لأفغانستان في عام 1997 ، أرسلت طالبان قوات لمحاولة السيطرة على مزار ، لكن العملية فشلت تمامًا ومات المئات من مقاتلي طالبان في المعركة وتعرض آلاف آخرون. سجن وإعدام. وبالتالي ، حاول الملا عمر إيجاد حل وسط مع أحمد شاه مسعود وإنهاء العنف. عرض تقاسم السلطة السياسية مع مسعود في المنطقة. ومع ذلك ، أراد مسعود أيضًا تقاسم السلطة العسكرية من خلال إنشاء مجلس عسكري مشترك ، لكن طالبان رفضت هذا العرض خشية أن يؤدي ذلك إلى اشتباكات وسفك دماء في المستقبل. فشلت المفاوضات . لحسن حظ طالبان ، ثلاثة من قادة التحالف الشمالي - مالك ، دوستم ، ومسعود - أداروا أسلحتهم على بعضهم البعض ، مما أضعف تحالف الشمال. استفادت طالبان من هذه الفرصة واستولت على مزار. سرعان ما واجهت طالبان بعض المقاومة من قبل قوات مسعود في المناطق الأوزبكية. قتل نشطاء القاعدة مسعود قبل يومين من أحداث الحادي عشر من سبتمبر .

بقلم د/جهاد عودة

كاتب وكتاب

img

الكتاب: - فن الفرجة علي الافلام

أحد اصدارات مكتبة الأسرة في عام ٢٠٠٥

الكاتب: - جوزيف بخور

ترجمة: - وداد عبد الله

يقع هذا الكتاب في ١٤ فصل ، يتناول فن مشاهدة الافلام، والمهارات التي تزيد من متعة المشاهدة ، ويساعد المشاهدين ليكونوا أكثر فهماً للفن ، وأكثر حساسية لمعرفة الفروق الدقيقة ، وتراكيب الفن وأيقاعه لا يشترط هذا الكتاب وجود معرفة بالسينما بشكل متخصص ، ولكنه يساعد كثيراً في فهم أشياء كثيرة في العمل الفني .
يتناول هذا الكتاب في البداية كيف يمكنك تحليل الفيلم ، ومعرفة القيمة الفنية الموجودة في هذا العمل ، والعناصر الدرامية الموجودة فيه ، وكذلك العناصر المشاهدة أمامك ، هذا غير المؤثرات الصوتية المصاحبة لأحداث الفيلم والحوار بين أبطال العمل ، وتأثيرها علي مسار العمل .
يشير الكتاب أيضاً في أحد فصوله أهمية العمل الموسيقي المصاحب لأحداث الفيلم ويساعد كثيراً في جذب المشاهد ، وسوف يكتشف القاريء أن هناك أعمالاً فنية لم تنجح بسبب الموسيقي المصاحبة للعمل ، وهناك مشاهد لا تصلح معها موسيقي كانت في مشاهد أخري .
يطرح الكتاب أيضاً كيف يلعب أداء الممثل دوراً كبيراً في إقناع المشاهد بالحدث .
يشير الكتاب في أحد فصوله إلي عامل مهم جداً في نجاح الفيلم وهو المخرج ، ولا يصلح أي مخرج في إخراج عمل كوميدي مثلاً فهذا يحتاج لمهارات خاصة بحركة الممثل والكاميرا .
يطرح الكتاب دور الإعداد للعمل والذي يقول للمشاهد أن كل تفاصيل هذا العمل تمت بعناية شديدة ، توزيع الأدوار، ملابس الفنانين ، المشاهد الخارجية ، المشاهد داخل الأستوديو بكل التفاصيل الدقيقة في نهاية الكتاب خصص الكاتب فصل خاص لمشاهدي الافلام التليفزيونية و كيف تصبح مشاهدة هذه النوعية من الأفلام متعة لمشاهديها ، ويصبح المشاهد قادراً علي معرفة نوع الفيلم المعروض أمامه، هل هو من نوعية افلام السينما، ام التليفزيون .
يقع الكتاب ٣٤٩ صفحة من القطع المتوسط ، ويعد واحد من أهم الكتب التي صدرت في هذا العام للمهتمين وغير المهتمين بصناعة الفيلم سواء كان للسينما او التليفزيون.

بقلم / د سمير فاضل

منتدي الشباب

img

ورقة من كتاب


ربما كتبت أحياناً عن أوجاعي
عن معاناتي
عن كيفية خروجي
عن تجربتي عن ثورتي
عن قدري وخنوعي
ولكن يوماً ولم أحب
أكتب ان العالم بائس
وأن الرجال ظالمون خائنون
ربما لأني دائماً كُنت أدرك
أن معاناتي كانت أسبابها .... أنا
وما كنته ...... أنا
وما عليه كائن واقعي
وموقعي
ولست أيضاً أجلد ذاتي
ولكني كُنت أدرك أنها قصة حياتي
وما آلت إليه الأمور كان مترتب علي
فعلي
رد فعلي
أفكاري
توقعاتي
سلبيتي
ايجابيتي
خيالاتي
مسلماتي
بإختصار
كانت قصة حياتي مسئوليتي
وفي ثناياها احمل جميع شماعاتي
ولكن بمناسبة قصائد ونثريات
احزان النساء من الرجال
فأنا صدقاً لا أري غير أنه :
مرة كان هناك سوء أختيار
و أكثر من رجل أتقن الأختيار
أما الباقيين
فقد كانو مع أنفسهم صادقين
عندما أدركو أنهم غير مستحقين
فمن يستحق
وردة وفراشة وعطر ياسمين
أسما

بقلم أ/ أسما عوض



إليكم أصدقائي

img

إليكم أصدقائي
قطعة أحبها
.. أتُحَدِثُكَ نَفْسُكَ بِهذا ولكن...؟؟
!! ولما بشفاهِ الوردِ وثغرِ الشعرِ تُصبِحُني وتُمسيني
... قلت يحيا الحب وتسقط في الأرض كل موازيني
... ما الحب عندي؟! أجرحٌ وعارٌ وذنبٌ مهينِ
.. تالله!! هو أجملُ ما خُلق لهذا الكون يا مسكينِ
.. ليس كما أعياهُ البعضُ آهاتِ حزنٍ وأنينِ
... إنما هو طِبُ الأطبةِ ودواءٌ يُداويني
.. بل هو حياةُ الحياةِ ونبضاتُ قلبِ السنين
.. لونُ الوردِ وشذاهُ والفلُ والياسمينِ
.... هو روح الأحياءُ والشجرُ وغضُ الرياحين
.. وبقية أيام الشيبة وانتظارُ الطفلِ الجنينِ
.. وغذاء أحلام الشباب وجموحُ المجانين
.. وأنا الذي كنت كافراً به وبكل محبيني
.. مكبلاً روحي مترنماً بكل عرفٍ ودينِ
.. وأسقطت قصورهُ وفرضتُ قوانيني
... وذبحت قلوباً بالهجر وكانت تدانيني
... وحرّقتُ جناتِ أنسمِِ بالود كانت تلاقيني
... فلما كنت أنتِ بقصيدِ الشعر والورد تهديني
... زلزلتِ مكنون ذاتي وفجرتِ حُمماً وبراكين
... فتجهمت على من برموز الود والوفا كانت تأتيني
.. وغدوت أشكو نفسي إلى نفسي وودِدتُ لو تسمعيني
.. فلما لاح لخاطري زهور الخدِ ونور الجبين
... وأشياء أخرى فيكِ كانت من الهم تواسيني
.. لا أذكرها لك أبداً فمن حيائك قد تخجليني.
. ويوم رميتني بتهمة النفاقِ والقساوةِ ولم تستبيني
... وكدتِ في هجائك وتجنيك عليّ بالدماء تبكيني
... قتلتيني وفي ثرى الماضي الأليم رأيتكُ تدفنيني
.. ليولد لي قلب جديد خافق بالود والحنين
... نابض بحبك لي في كل وقت وحينِ
.... متلمساً عطاءات الله خالقه المعينِ
... يحتويه جسد من نور وليس من طين
.. يهز كيانه سؤالٌ من الأعماق حيناً يواتيني
... هل إذا غُصتُ في أغادير عينيك تدركيني
... أو في بحر حبك غرقتُ؛ بأهدابك تنقذيني
... أأحببتك؟؟
!!!! سأصبر على ردٍ من الفؤاد بقوة سوف يأتيني
.. عهداً منى سأخبرك به حتماً حتى تتقيني
... سأكون جامحاً في حبي فهل ستخافى وتوقفيني؟
! هنا

بقلم أ/هناء شوقي


علي سبيل الونس

صباح الخير
علي سبيل الونس، مافيش حاجة بتتغير جوانا بالخناق! مافيش حاجة بتتغير فينا وأحنا كارهينها!
اللي بيكره ضعفه، جايز طاقة الكراهية دي تنجح تخليه يمثل القوة، والصلابة، ويخبي الضعف.. بس عمرها ما بتساعده يغير الضعف فعلاً لقوة داخلية!
مافيش تغيير بيحصل بالعنف، ولا بالجز علي الأسنان، ولا بالغضب والكراهية!
الحاجات دي كلها بتاكل الحياة جواك، وتعمل قشرة من بره تظهر بيها زي ما نفسك تظهر، بدون أي تغيير حقيقي جواك غير للأسوأ!
كل خزي من ذاتك أتزرع جواك وأنت صغير، كل بؤرة جبن وخوف، كل نظرة دونية أتعودت تبصها لنفسك، كل شعور بعدم الكفاءة والنقص والعجز حسيته ف مراحل حياتك، كل دا مش هاتعرف تغيره غير لما تسلّم بوجوده، وتقبل اللي حصل، وتطفي كل محركات الكراهية والرفض والخناق والرغبة ف الأنتقام والمقاوحة والتصميم ع التغيير بالعافية وطاقة الغضب.. لما تطفي كل الطاقات دي، وتسلّم بالماضي كله، وتفتّح عينيك عليه زي ما هو، وتتفرج فيه ع اللي أذاك من غير ما تكون مضطر تحرق ف نفسك وتغلّ وتكره، تتفرج بتسليم وقبول، لما تعمل دا، طاقة محبة هاتتفجّر جواك.. محبة حنونة علي الذات اللي عانت الماضي دا (ذاتك)، ومشفقة عليها من إنها تكمل الحياة وهي مثقلة بالكراهية أو الغضب، ومؤمنة بيها لأنها أختارت ما تمشيش سكة الغضب والأنتقام والخناق والكراهية، برغم صعوبة الماضي اللي عانت منه!
والمحبة دي هي الطاقة الوحيدة اللي ممكن تنجح تغير فيك أي حاجة!
وصباح الخير

بقلم أ/يحيي موسى

صفحة الحوار الإنساني

يمكنك متابعتنا علي الفيسبوك


اعداد سابقة

يمكنك تصفح الاعداد السابقة من هنا


شارك العدد

شارك علي فيس بوك