مجلة الإنسان

العدد الرابع عشر - اغسطس 2022

تابعونا على : الفيس بوك

phone

افتتاحية العدد

بقلم رئيس التحرير .

الأصدقاء الأعزاء نعود إليكم مجددا وعدد جديد وقضية جديدة نرجو أن تكون اضافة قوية لما يطرح في مصر في هذه الآونة الهامة، والتي نراها مرحلة فاصلة في تاريخنا المعاصر، وانتقال جديد لمرحلة جديدة نرجوها كذلك.

قضية " صورة الله " عند الانسان اليوم نراها قضية هامة في محور تجديد الفكر عند المصريين اليوم ، وهي أيضا تمثل نقلة نوعية جديدة في القضايا التي تطرح علي جموع المصريين اليوم ، وتشكل الأطروحات في هذا العدد نقلة هامة في كيفية مناقشة قضايا هامة كقضية " صورة الله " ، وكيف قدم المشاركين في صدور هذا العدد رؤي هامة لها سوف تساعد كثيرا في فهم عمق هذه القضية ، وعدم الانسياق وراء الصور النمطية التي قدمت في السابق والتي ساهمت بشكل كبير في خلق حالة من الاستقطاب نحو رؤي بعينها لا تخدم كل المصريين بقدر ما تساهم في تديين المجال العام بلون معين ، ولم يخدم الانسان الجديد الباحث عن واقع أفضل مما كان يسود في السابق .

نرجو أن يساهم هذا العدد في خلق إضافة جديدة تأخذنا نحن المصريون لمستقبل أفضل.


د. سمير فاضل

من هو الله؟

الأنبا مكسيموس

نشأت كمؤمن متدين، يؤمن بواحدية الإله المهيمن على هذا الكون، وكنت قد انخرطت في الدراسة اللاهوتية حتى آخرها، عندما أهدي لي أحد زملائي مسرحية الذباب (أو الندم) لشيخ الملحدين جان بول سارتر، وقد ذهبت على أثر قراءتها إلى معرض الكتاب الدولي لأقتني مسرحية سارتر الأخرى: الله والشيطان!

لم يذهب المبدع المحنك الي مهاجمة العنف الإلهي في العهد القديم، ولكنه ذهب الي فكرة أعمق ذكاءً، وهي فكرة الندم! أي الندم على الخطايا؛ الذي كنت أمارسه بصفة يومية كما تعلمت، كأحد الممارسات التقوية للتوبة عن الخطايا

وهكذا بإبداع وسلاسة، رسم سارتر لوحة مشابهة لصورة الإله الذي أعبده يوميا: "ان للندم رائحة خاصة في خياشيم الآلهة " هكذا وضع سارتر هذه العبارة على لسان جوبيتر كبير الآلهة، واستطرد يشرح كيف يُسَر الإله بأن يخطئ البشر، حتى يأتوا خاشعين نادمين على خطاياهم، طالبين الصفح عن خطاياهم من الإله، وهكذا يظلوا بحاجه اليه. لم يقل سارتر بحاجة إلى كهنته، بل تجاهل دور الكهنة حتى يتمكن من أن ينسب أفعالهم للإله، فهو لم يكن مصلحًا كنسيًا بل إلحاديا بامتياز مستهدفا الإله نفسه!

نجح المبدع سارتر من خلال قراءتي لمسرحيتيه: الله والشيطان والندم؛ في أن يواجهني بواقع التعليم الديني الذي نشأت عليه، وبصورة الإله الذي جعلوني أعبده وأؤمن به؛ الأمر الذي فجر ثورة عارمة في صدر شاب العشرون عاما؛ على الإله الذي صورة سارتر، وعلى كهنة الإله

لم تهدأ ثورة غضبي على خداعي بالدين، الا حينما عثرت على كتاب المبدع والفيلسوف اللبناني، كوستي بندلي: "إله الإلحاد المعاصر"

لكي أسمع لأول مرة في حياتي، تعبير "صورة الله"، ولكي أعرف أيضا أن هناك صور للإله بعدد البشر أنفسهم، ثم كانت فاجعتي التي صنعها "كوستي بندلي" أنني لم أحوز بعد على الصورة الإنجيلية للإله!

بدأت رحلة البحث من كتابي المقدس، لأكتشف أن بدايته التي خطها الفرعون العبراني: موسي النبي؛ متناقضة تماما مع آخرته، إنجيل المسيح! فلو كان الله الواحد وهو الذي أخبر موسي النبي بكل ما فعله وما كتبه، لما أمكن أن يغير المسيح حرف واحد مما نقله موسي النبي عن الله! إما إذا كان الله يغير مبادئه وأفعاله من القديم إلى الجديد؛ "فكيف أطيق ألا أكون أنا نفسي الها" على حد تعبير نيتشه؟!

تأكدت لاحقا أن بلوغ الصورة والحقيقة المطلقة للإله، أمر متفوق على قدرات الانسان؛ يكفي أن يحقق الانسان رؤيته العقلية والاختبارية لعلاقة شخصية وعملية مع الله؛ مع ظني بأن التحول من محاولات الهيمنة الدينية، التي لم تعد مقنعة لأحد! إلى اعتبار الإيمان: خبرة شخصية وقناعة عقلية ذاتية؛ حلا عمليا لانتشار الإلحاد

صورة الله بين الماضي والحاضر

img

تشكل صورة الله عند الانسان منذ القدم حالة ذهن الانسان ، وكيف كان يتعامل مع الحياة وكل تشكيل وعيه وفهمه مملوء بصورة الله التي صنعها له ما يطلق عليهم رجال الدين ، الذين كان لهم كل السيطرة علي وعي الانسان وتشكيل ذهنه كيفما يشاءون ووقت ما يشاءون ، مما ساهم في تشكيل وعي أجيال كثيرة علي هذا النحو من البناء ، علي الرغم من وجود صور جديدة قدمت للإنسان علي مر العصور ، إلا أن الملاحظ اليوم أن تلك الصور القديمة عن الله هي الصور الطاغية علي كل الصور الاخرى التي حاولت تصويب الكثير من الخلل العالق بأذهان كثيرين .

الفشل والإهمال والتقصير عند الانسان اليوم يرجعها إلي إرادة الله دون أن يدرك هذا الانسان انه يدخل الله معه في صناعة هذا الفشل او الاهمال او التقصير ، والقول بأنه القضاء والقدر ، وليس خطأ الانسان الباحث عن شماعة لفشله وتقصيره واهماله المستمر ، وأن الله لا يمكن أن يكون له قصد طيب من وراء الإهمال او التقصير او الفشل ، لكنها صورة الله التي قدمت من بعض رجال الدين لبشر قرروا إلغاء عقولهم والسير وراء هذه الصورة العتيقة التي ساهمت كثيرا في تشويه صورة الله ، وفي خروج الملايين بعيدا عن فكرة الإيمان وكان القرار بالفرار بعيدا عن هذا الواقع المؤلم المرير الساحق بعقل الانسان .

القتل والتدمير والإرهاب باسم الله

قدمت الصور القديمة عن الله المسؤول عن القتل او تدمير او ارهاب علي انه أمر من الله العلي القدير ، واعتباره جهاد في سبيل الله ، هل حقا هذا جهاد في سبيل الله ام في سبيل مصالح وأهداف تخدم بعض البشر ، وليس هناك اسهل من استخدام اسم الله لإضفاء الشرعية علي كل ما هو أسوء،  ولن يستطيع أحد أن يقاوم ، فهو هنا سوف يقاوم أوامر الله وعليه يسهل تقديمه علي مذبح هذا الاله المحب للقتل والتدمير والحرق باسمه ، حدث هذا ويحدث إلي اليوم وسوف يستمر طويلا ما لم يحدث تغيير جذري في صورة الله عند الانسان ، تلك الصور التي ساهمت في تنمية الفقر والجهل والتخلف في الكثير من المجتمعات ، وتتكرر صورة خروج الملايين أفواجا من دين الله باحثين عن اله محب للحرية والإنسان وكاره لكل تخلف وفقر يحدث للإنسان.

بقلم / د سمير فاضل

تصور الإنسان عند الإله

كلما كانت الطبيعة قاسية، كان تصور الإنسان عن الإله قاسيا. الطبيعة الصحراوية الفقيرة الجافة التي تعاني من ندرة الماء والزرع تتصور الإله غليظا قاسيا جافا. والطبيعة الخصبة الغنية ذات الماء الوفير والزرع الوفير تتصور الإله كريما عطوفا رحيما.

وكلما كانت الطبيعة فقيرة، تصور الإنسان أن الإله مفارق لها، مناقض لها مختلف تماما عنها، لا يكشف عن إرادته إلا باخضاعها والهيمنة عليها والتعامل معها بعنف، يتجاوزها او يعطلها أو يجعلها تسير في عكس اتجاهها. وكلما كانت الطبيعة غنية، تصور الإنسان الإله على أنه يحل في الطبيعة ويكشف عن إرادته من خلالها، ويتجلى فيها.

وكلما كانت الطبيعة بسيطة، كان تصور الإنسان عن الإله بسيطا. فالصحراء ليست سوى رمال وجبال وسماء، وليس بها تنوع ولا تعدد، ولا تحتوي إلا على لونين، لون الرمال الصفراء ولون السماء الزرقاء، ولذلك جاء التوحيد من الصحراء وكان تصور أهل الصحراء للاله بسيطا ساذجا بدائيا.

أما البيئة المتنوعة التي تحوي انهارا ومرتفعات خضراء وسهول خصبة وبحيرات وجداول ماء وينابيع متدفقة وغابات وأشجار متنوعة وزهور وحيوانات مختلفة، فهي تؤدي إلى تصور غني ومتعدد للإله.

لا يمكن للإنسان أن يتصور الإله إلا عن طريق الطبيعة وعلاقة الإنسان بالطبيعة وبالتوازي مع البيئة التي يعيش فيها. الطبيعة هي التي تشرط إدراك الإنسان للإله، هي التي توحي للإنسان بطبيعة الإله. الطبيعة هي المصدر الأساسي لوعي الإنسان بالاله، هي الوحي الأصلي والحقيقي.

بقلم /د. أشرف منصور

صورة الله عند الإنسان

قد يظن المتأمل لعنوان المقال بأن الحديث يدور حول الصورة الذهنية لكينونة الله التي يألفها البشر ومن ثم يتحدد عليها ميثاق العلاقة التي يؤسسها الفرد مع ربه، فهناك من يتصور الله في فيزيائية ضخمة توحي بعظمة التكوين الفيزيائي وفق الحسابات البشرية، وهناك من يتصور الله في معنى عظيم خفي غير مرئي، ولكنه – وفق تقديره – سلطان قائم تسري أحكامه ونافذة قوانينه وواقع مراده لا محالة، وهناك صنف آخر من البشر قد يري الله في صورة الملكوت والعرش ويرى اصطفاف الملائكة من حوله في مشهد يفصله وفق إدراكه لعرش ملوك الأرض وما حول العرش من حرس وصولجان وأعلام وحرير وبيارق ومشاعل، وتتباين صورة الله في أذهان البشر ربما بأعداد البشر في الخليقة، لأن صورة الله بلا مرجعية توثقها ومن ثم فلن يتفق البشر على ملمح أو رسم فيزيائي لكينونة الله.

في الحقيقة، لا يصح بأن يقف النقاش في الموضوع عند كينونة الصورة المرئية لله في الأذهان وإلا سوف يصبح الأمر عبثيا وقد تهتز الهيبة في بعض الأذهان وقد تتضخم صورة الله وتتغول الملامح في أنفس أخرى مما قد يصحب ذلك من نفور من القسوة وخشية البطش والعقاب، ذلك أن محاولة اعتماد أو إقرار صورة معينة لله سوف تقف بقدرات الله عند قدرات المشبه به.

وعوضا عن محاولة صياغة الصورة بالملمح، دعونا نستدعي الصورة الذهنية ذات الرمزية الروحانية التي تحتوي القوة والقدرة والحب والبطش والرأفة وكل صفة ونقيضتها. وقد يسأل أحدهم: ما جدوى الوقوف بصورة الله عند الصفات والخائص عوضا عن الملامح؟

يميل العقل البشري إلى تحديد الموجودات بالخصائص، فالوحش الكاسر وصف يليق به صور حيوان بري زاجرا مكشرا عن أنيابه، والشيخ الناسك الطيب بالعصا الثلاثية وهي فرع شجرة، ولحية بيضاء وجرة فخار بجواره، والفارس المغوار برداء معدني وسيف في غمده ويمتطي فرسا، إلى آخرة من الفرضيات التي يستخدمها العقل للربط بين الصفات والخصائص من ناحية والكينونة من ناحية أخرى، لذا من الحكمة أن يتم رسم صورة الله وتحديدها وفق الصفات المقدسة وهى الرحمة والعدل والبطش ليتسنى للعبد صاحب المخيلة تقدير حجم هذه الملكات ومن ثم الامتثال للعظمة الربانية.

أرى أن تهتم برامج التعليم والتثقيف في سني الطفولة بمساعدة النشء على تكوين صورة لله تتفق مع فهم خصائص وقدرات الخالق عوضا عن الأفهام التقليدية في أن الله بعيد جدا يسكن السماء ويجلس على كرسي ومن الضخامة بحيث يستحيل للطفل الاقتراب من هذه التكوين الضخم وقد يخشاه ويتجنب الاقتراب منه ولو بالرمزية.

بقلم د.بهي الدين مرسي

طبيب ومفكر

صورة الله في المخيال الأصولي:

img

ليس ثمة شك أنه توجد صوره مشوهه عن الله في المخيال الديني– الأصولي، وهذه الصور المشوهة التي رُسمت في أذهان الحركات الأصولية عن الله، تقف في كثير من الأحيان عائقا حقيقا في تكوين علاقة سليمة مع الله، ومع الآخر المختلف معهم في الدين أو المذهب، فضلا عن أن هذه الصورة تعمل نوعا من التشويش على صوره الله الحقيقية.. وبالطبع فإن هذه الصوره المشوهه أو المشوشة عن الله في المخيال الأصولي، هي نتيجة طبيعية للمفاهيم الخاطئة والمغلوطة عن الله، والتي تكونت وترسبت لدى قطاعات كثيرة في مجتمعاتنا العربية والإسلامية؛ نتيجة تفشي ظاهرة الأصولية الدينية، وهيمنة الفكر الأصولي، وبروز التنظيمات الأصولية التي استطاعت أن تستقطب قطاعات كبيرة من الشباب. ومن هنا، انتشرت هذه الصور المشوهة عن الله.

فالواقع ان بداخل كل منا صورة عن الإله. قد تشكلت من خلال ما تعلمناه أو ما سمعناه من أراء وتعاليم عن الله، حيث تتكون المفاهيم المختلفة لدى الإنسان من خلال مصادر متعددة، أهمها خبرات الحياة والعلاقات مع الآخرين، وأيضا التعاليم التي يتلقنها منذ نعومة أظافره. ومن ثم، يجب أن يُنّشأ الإنسان منذ البداية على المبادئ والقيم الإنسانية العليا، من حب وعدل ورحمة وتعاون وسلام، وأن هذه القيم تمثل صورة الله الصحيحة، فالله هو العدل والرحمة؛ وذلك لمواجهة تلك الصورة المشوهة عن الله كما هي في المخيال الأصولي، الذي لا يحدثنا إلا عن العذاب والجحيم، وعذاب القبر، وأهوال القيامة ، أو أن الله يأمرنا بأن نقاتل الناس حتى يدخلوا الإسلام، أو يُحل لنا السلب والنهب بُحجة أنها غنائم، أو نعتدي على دول ذات سيادة بحجة الجهاد والفتح، أو نُسبي النساء والأطفال ونتخذ من النساء جواري وإماء ونُقيم سوقا للرقيق.   

هذه الجماعات الأصولية تمتلك تفسيرات بدائية عن الله، كما أنها تمتلك منظومة فكرية ماضوية حول علاقتها بالآخر المختلف عنها، في الوقت الذي تنفتح فيه المجتمعات الحديثة على استيعاب التنوع العرقي والديني؛ وذلك لضمان التعايش الإنساني بين تلك المجموعات المتباينة.. وفي المقابل نجد ان تيارات الإسلام السياسي، لا زالت تحلم بإعادة إنتاج حُقب تاريخية قديمة تنتمي للعصور الوسطى فيما يعرف بالخلافة الإسلامية، حيث تنظر إليها تلك الجماعات باعتبارها مراحل مثالية للإسلام ونموذج يجب تكراره، مع تجاهل كل المتغيرات التي طرأت على العالم الحديث، ونشأة الدولة الوطنية ذات السيادة القانونية، وهو ما يوضح لنا السبب الحقيقي لانفصال هذه الجماعات عن واقع المتغيرات الدولية والقانون الدولي الحاكم.

إذ تعتقد هذه الجماعات أن ثمة مجموعة من الأهداف تقع على عاتقها، مثل: نشر الدعوة الإسلامية، وإقامة المجتمع المسلم، وإعادة الجهاد في سبيل الله، وإقامة دولة الخلافة، وهو الحلم الذى دعت له جماعة الإخوان منذ عشرينيات القرن الماضي، وتمكن تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" من تحقيقه، من خلال الأهوال والفظائع ونشر الفوضى وقتل الأبرياء والأطفال واغتصاب النساء وسرقة ثروات البلاد، وتفكيك الدول وإسقاطها؛ فهذه الجماعات الأصولية لا تؤمن بالتطورات والمتغيرات الدولية، التي تكفل الحق لكل القناعات الدينية والعرقية والإثنية المختلفة، أن تشارك في وضع نظام أخلاقي وسياسي واجتماعي عام من خلال نظام دستوري، يكفل الحقوق والحريات العامة لكل مواطن دون النظر للدين أو اللغة أو العرق

أما الأمور التعبدية فإنها تنبثق من الدين، ولا يفرضها القانون ولكنه يتيح المجال لتطبيقها وممارستها، فإن أوامر الدين لا تفرض بالقوة لأن فرضها بالقوة يفقدها معناها، فالقوة تخلُق مجموعة من المنافقين، ويظل الجانب السياسي متغيرا متطورا، لأنه جانب إداري معاملاتي، تحكمه المصلحة وما يراه العقل البشري عن طريق الخبرة والتجربة الإنسانية، كما تكفل الدولة الحديثة تطبيق القوانين التي ترتضيها لنفسها بالقوة، وعلى النقيض من هذا ترفض الجماعات الأصولية، المفاهيم الحديثة، وتستغل الدين للسيطرة على الناس.

هذه الأفكار المغلوطة والمضللة في المخيال الأصولي، مرتهنة بحالة عداء للآخر وضعف، وتراجع ثقافي وحضاري، وعدم فهم لطبيعة الأديان ومهمتها، مسالك نفسية تسدّ المدى والرؤية.

بقلم د/ خيري فرجاني

صورة الله عند الإنسان بين الفكر الديني والفكر الفلسفي

بداية يمكن القول أن صورة الله تختلف باختلاف التوجهات الدينية، واختلاف المفكرين في كل عصر ..حيث لا يمكن وضع صورة ثابتة يتفق عليها كل أنماط الفكر البشري .. فهناك المتدين أو التأليهي الذي يؤمن بأن الله موجود ..وأنه الكائن الأسمى ..سواء يتبع دين سماوي ويؤمن بالوحي .. أو دين وضعي إنساني ..

على الطرف الآخر نجد الملحد أو اللاديني ..الذي يرفض الاعتراف بوجود الله ..

أما الموقف الثالث هو "اللأدري" الذي لا يكترث بهذه القضية ..أي لا يثبت وجود الله أو ينكر وجوده .

ينتج عن هذه الإشكالية عدة تساؤلات :

إذا سلمنا أن الله موجود.. هل يمكن الاستدلال على هذا الوجود بالبرهان العقلى ؟..هل طبيعة الله اللامتناهية  تتشابه مع طبيعة الانسان المتناه ? لماذا نقر أن الله هو المنظم للعالم؟ هل يمكن اثبات صورة الله عن طريق السببية والمعجزات؟؟ أم عن طريق الاعتقاد الديني.؟ وماذا عن وجود الشر في العالم ..هل الله هو المسؤول عن وجوده...  هذه التساؤلات وغيرها مما تثيره هذه القضية، والتي لا تزيد عن كونها حجبا وغموضا لا سبيل لنا إلى معرفته ..

نخلص من هذا أن الفكر الانساني بشقيه الديني والفلسفي ..منتج بشري يخضع للتأويل ..وبالتالي لا يستطيع أن يصل إلى نقطة محددة أو رأي قاطع حول صورة الله عند الإنسان ...إلى مثل هذا الرأي نجد معظم فلاسفة الغرب ..هيوم ، كانط في القرن الثامن عشر أكدا أن الله مسلمة إيمانية لا تخضع للبرهان العقلي .. يقول هيوم :" إننا لا نستطيع أن نخترق أسرار القوى الطبيعية لإننا جاهلون تماما بالطريقة التي يعمل بها العقل السامي .." محاورات في الدين الطبيعي ص 138 . أما رسل فأنه يعترف بأنه ضد الدين Anti clerical .. يقول " أنا منشق على كل الأديان المعروفة ..وأتمنى أن تختفي كل أنماط الاعتقاد الديني ..انني أظن أن كل الأديان الكبري في العالم هي غير صحيحة ومؤذية على حد سواء " رسل : لماذا لست مسيحيا ص11 ..، الشيطان على الأرض ص12 ... هذا ما يوكده " ماركس " و" فيورباخ " ومعظم فلاسفة الفكر المعاصر حيث سيادة النزعة اللادينية، والصورة الغامضة والمشوهة لله .. هذا ويلخص القرآن الكريم هذه الآراء المتباينة حول صورة الله في قوله تعالى: "ليس كمثله شيء وهو السميع البصير" ( الشورى آية 11 ) .

بقلم د. سامية عبد الرحمن

الذاكرة والنسيان

img

تناولنا في الجزء الأول من هذا المقال مفهوم الذكرة، من حيث المعنى والبنية والتصنيف. وبالحديث عن الذاكرة لا يمكن نسيان وجهها الآخر أي “النسيان”، وإذا كان الفهم الشائع يعتبر أن النسيان نقيض التذكر، إلا أن النسيان، حسب النظريات العلمية، جزء حيوى من نظام الذاكرة بشكل عام. فالنسيان وظيفيا يرتبط بمراحل الذاكرة المختلفة، أى اكتساب، وحفظ أو تخزين المعلومات، ومن ثم استرجاعها، فقد ننسى لأننا لا نستقبل المعلومات بشكل جيد، مثلا بسبب قلة او غياب الانتباه أو الاهتمام، وقد ننسى لأن سعة التخزين والحفظ تخضع لشروط عضوية ونفسية يتم من خلالها حفظ بعض المعلومات أو الأحداث والتخلص من أخرى، ولأننا لا نعرف مسار الذاكرة، فإن النسيان بالنسبة لنا لا يتبدى إلا عندما نحاول استعادة أو استرجاع بعض المعلومات فلا نستطيع. وإذا كان النسيان يؤرقنا لأننا نريد أن نتذكر، فلا يجب أن ننسى أن من الذكريات ما يؤرقنا فنتمنى أن يلفها النسيان.

وفي توصيف ظاهرة النسيان، يقول د. محمد قاسم عبدالله (كتاب سيكولوجية الذاكرة)، هناك نوعان من النسيان يركز عليها علماء النفس، أولا: التلاشي أو الذبول السلبى والذى يرتبط هذا بالذاكرة قصيرة المدى حيث أن المادة لم يجر التعامل معها بشكل مركزي ومباشر عن طريق الانتباه؛ ثانيا: التداخل الفعال الذى يعمل لفترات زمنية أطول ويرتبط بالذاكرة طويلة المدى حيث يحدث النسيان نتيجة تداخل معلومات حدثت قبل أو بعد المعلومات المستهدفة. وهنا تجدر الإشارة إلى أن زخم المعلومات المتسارعة والقصيرة وغير المترابطة في زمن تكنولوجيا المعلومات جعل النسيان ظاهرة عامة.

وعادة ما يتم النظر إلى النسيان بوصفه ظاهرة سلبية تتعارض مع نشاط التذكر كظاهرة إيجابية، بمعنى تعطل القدرة العقلية، بشكل جزئي أو كلى، نتيجة أسباب نفسية أو عضوية أو بسبب التقدم في العمر أو بسبب إيقاع الحياة المتسارع، والاعتمادية المتزايدة على التسجيل والتخزين الإلكتروني. ونستخدم تعبيرات مثل “فقدان الذاكرة” كدلالة مرضية و”ذاكرتنى خانتى” كحدث عارض، وهكذا يبدو النسيان بوصفه قصورا مزمنا أو شللا مؤقتا في القدرة العقلية والنفسية على استرجاع المعلومات والأحداث. ومن ثم يسعى البعض، وربما هذا صحيحا من الناحية الوظيفية، إلى تجنب ومعالجة عوارض النسيان من خلال التدريب على التذكر ومعالجة النسيان. ولعل كلمة “المذاكرة” ذات دلالة في هذا السياق، وكأن فعل التعلم هو في جوهره تدريب على التذكر من خلال الانتباه والحفظ وتخزين المعلومات.

وبالمقابل، وكما ورد في مجلة الثقافة العالمية (العدد 130 مايو 2005)، فإن العلماء والمتخصصين اهتموا بدراسة ظاهرة النسيان ليس بوصفها عملية “سلبية”، بل بوصفها عملية عضوية حيوية، ففهم النسيان يعنى فهم أفضل وأشمل للأداء الوظيفي للذاكرة. وفى هذا السياق يرى فصيل من العلماء أن النسيان ليس عجزا، بل هو عملية جوهرية في نظام الذاكرة، وخلص بعض علماء بيولوجيا الأعصاب إلى وجود مادة عضوية (انزيم PPI)، تسمى “جزيئة النسيان” مهمتها حذف معلومات من الذاكرة لتجنب حشو الدماغ، حيث يرى إريرك كندل من جامعة كولومبيا بنيويورك، الحاصل على جائزة نوبل في الطب عام 2000 عن أبحاثه في مجال الذاكرة، أن اكتشاف “جزيئة النسيان” هو فى حد ذاته خطوة عملاقة للأمام تثبت لنا ما لم يدركه الكثيرون قبل الآن: وهو أن النسيان، ليس مجرد ظاهرة عادية ومتوقعة نتيجة لتقدم العمر وإنما هو عملية بيولوجية نشطة ودقيقة ومنضبطة، مما يجعلنا نعيد النظر في بعض الثغرات الصغيرة التي تصيب ذاكرتنا، عندما يزعجنا ضياع المفاتيح أحيانا، وضياع النظارة أحيانا أخرى. وتقول الباحثة إيزابيل مانسوى، أنه عندما تقوم جزيئة النسيان العضوية بحذف بعض الذكريات أثناء حالة تعلم مكثفة فإنها تحمى دوائر ذاكرتنا من خطر الازدحام والتشبع.. وعندما تعمل على مسح الذكريات المخزونة فإنها تساعد دماغنا على فرز ما يصلح لتناسق وتوازن شخصية الفرد، وما هو أقل صلاحية، وما لا يصلح على الإطلاق.

ويتزايد الاهتمام الآن بالعلاقة بين الذاكرة البشرية والذاكرة الالكترونية. فمما لا شك فيه أن الأنفوسفير أو الغلاف المعلوماتى وتكنولوجيا المعلومات برزت كمنافس ولاعب رئيسى فى مجال تسجيل وأرشفة وتخزين ومعالجة البيانات والمعلومات. ومع ذلك ربما علينا أن ننتبه إلى مسألتين أساسيين، أولا: من منظور الذاكرة، فإن هذه العمليات التقنية تفتقر إلى البعد الحيوى الذى يميز الذاكرة الإنسانية؛ ثانيا: من منظور النسيان، فإن هذه العمليات التقنية، بالإضافة إلى الإيقاع المتسارع لدفق البيانات والمعلومات، تسلب الذاكرة البشرية حيويتها، وتجردها من ميزتها الطبيعة، بالمزاحمة والاتكالية وتحفيز الذاكرة قصيرة المدى والتى هى، وكما تم الإشارة فى المقال السابق، ذات سعة كبيرة ولكنها محدودة، يمكنها أن تستقبل كم هائل من المعلومات، والتخلص منها بسرعة استقبالها. ومن ثم، فإن الذاكرة الإلكترونية التى باتت تشكل امتدادا غير حيوي وغير مسيطر عليه لذاكرتنا الحيوية، قد تساعدنا على التسجيل والأرشفة والتخزين ولكنها تحرمنا من حيوية الذاكرة، وأكثر من ذلك من حقنا فى الخصوصية والنسيان، فثمة أحداث ومعلومات تخصنا يتم تسجليها والاحتفاظ بها تكنولوجيا وفى المجال الافتراضى، وتبقى هناك مع أنها اختفت من ذاكرتنا الحيوية، وهذه المسألة قد يكون لها تبعات نفسية واجتماعية.

وأخيرا أطرح سؤالا يتعلق بالذاكرة واللغة، قد تكون إجابته موجودة لدى المتخصصين والمتخصصات في مجال اللغة ودراسات النوع الاجتماعي، وهو: هل ثمة دلالات لغوية تفسر الارتباط بين الذاكرة والذكورة (باعتبار أن الذاكرة والتذكر عمليات إيجابية)، والنسي أو النسيان والنساء (باعتبار أن النسيان فعل سلبي) ؟، أطرح هذا السؤال لأن المصدر “ذكر” في معاجم اللغة العربية يندرج تحته التذكر والذكورة، في حين أن المصدر “نسا” يندرج تحته النسيان والنساء والنسوة.

بقلم / د.يسري مصطفى


صوره الله في ذهني

صوره الله في ذهني...

هو ما استقر في عقلي وتغلغل في روحي.. هو ما نشأت عليه وما تشبعت به من تأثير بيئ و ما أُحيط بي من مفاهيم لا ازعم انها كلها خاطئه او حتي صحيحه..

لا أستطيع ان اكون صوره حقيقيه عن الله وحتى لا أُتهم بالزندقه او الكفر فما اتحدث عنه هو الله الذي في داخلي وليس الله جل في علاه...

ولكني احمل له صوره مغايره لقناعات غيري فلكل منا تصوره

الخاص و رايه...

هناك من يري الله انه الجبار.. منا من يعتقد ان الجبار هو الذي

يبطش بالعباد ولكني اراه هو من يُجبر الخواطر ويمد يده

ليحنو علي الضعفاء والمستضعفين.. وغيره

. هذا مثال بسيط لفرق الثفافه والمفهوم والمعتقد ايضاَ..

فالله بالنسبه لي هو ما اظنه وما اعتقده..

فهو القائل.. انا عند ظن عبدي بي..

واني لاظنه هو الجبار الرحمن الرحيم..

.وأيضا صوره الله في ذهني

. بعد دراستي للفنون انه بديع..

ك حامل ريشه او قلم الوان يجوب به الأرض ويوزع ما يحمله من جمال ويضيف رونق علي كل الموجودات..

انه خالق الجمال والحب

. ما كان الله ظالما او شرير او يتمني ان يعذب البشر..

لقد خلقنا علي هيئته فلما يعذبنا ولما يفرق بين الانثي والرجل..

لماذا يفضل بعضهم علي بعض..

ان الله خلق الكون ليس لتباهبَي َانما خلقه لنتدبر ونفكر ونري ونتعلم...

ليس بمفردنا في هذا الكون الفسيح

.

صوره الله في ذهني.. انه جميل يحب الجمال ويكره القبح والظلم.. يكره ما يضر البشر ويفرح بكل ما يمنحهم السعاده.. الله لم يُحرم الرسم والموسيقى والغناء لقد خلق الطير ومنحه الصوت الرقيق الذي يترنم به كل فجر وعشيه...

الله احب ادم من قبل الخليقه واعطاه من روحه... خلق الله الحب ومنحه للبشر حتي تمتلاء الأرض به وينتشر السلام...

الله محبه... الله نور.. الله سلام ورحمه...

هذه صوره الله في ذهني..

وتلك بعد من اعمال الفنان فان جوخ

وتصويره لجمال خلق الله...

فهل نُحرم مثل هذا الجماااااااال...

بقلم م/منال محمد

كاتب وكتاب

img

الكتاب: - عولمة الفقر

الكاتب: - ميشيل تشو سودو فيسكي

الكتاب صادر عن مكتبة الأسرة في عام ٢٠١٢ ، ويقع في ٣٢٨ صفحة من القطع المتوسط.

الكتاب يعد واحد من أهم الكتب التي صدرت مؤخرا وتتناول قضية عولمة الفقر

الكتاب يتناول في خمسة اجزاء داخل الكتاب قضية عولمة الفقر التي تجتاح العالم اليوم ، وكيف تتم عملية افقار هذه الدول عبر جملة من السياسات الاقتصادية تفرض فرضا علي هذه الدول عبر المؤسسات المالية والاقتصادية الكبرى وعلي رأسها صندوق النقد الدولي وذلك لضمان سقوطها تحت الوصاية المالية لكي تبدأ بعدها مرحلة تدمير الاقتصاد الوطني عبر جملة من السياسات تحت مسمي تحرير التجارة ، وتصفية منشآت الدولة بحجة الاقتصاد الحر ، إطلاق النظام المصرفي ، وتحرير تحركات رأس المال ، إضافة إلي إعادة تدوير الأموال القذرة نحو خدمة الدين ، لكي تدخل الدولة بعد ذلك في مرحلة سحق فقراء الريف والحضر ، مع ملاحظة التدخل المستمر لصندوق النقد الدولي بحجة مراقبة اوجه الصرف من المبلغ المقترض ، وهي السياسة التي تضمن له مراقبة ما يحدث علي الارض بدقة بالغة ، مع مراقبة أي متغيرات قد تخرج هذه الدولة بعيدا عن السيطرة،  ويشير الكاتب هنا أيضا إلي سياسة صندوق النقد الداعمة إلي التوجه الطائفي في هذه الدول دون أن يعلن عن ذك بشكل مباشر ولكن تحت مظلة حقوق الإنسان وحرية الرأي والتعبير،  ولضمان السيطرة حتي يحدث الانهيار السياسي المطلوب وتسقط هذه الدول فريسة الصراعات التي تنتهي بالسيطرة الخارجية علي مقاليد الأمور في هذه الدول

إعداد: - د.سمير فاضل

منتدى الشباب

img

للأسف اذا كان تعداد البشر، تخطي حاجز السته مليار، فهناك تصور للاله يتجاوز هذا الرقم، كل منا تصور الهه كما يحب، فهناك من تضع غطاء الرأس ولا تهتم بما ظهر من جسدها، لان الله لا يري تلك الاجزاء، ولكنه يهتم بما يظهر من خصلة شعر، وهناك من يربي ذقنه ويعطل مصالح الناس، ليصلي، لان الهه لا يري مثل هذه الرشاوي، لانه مشغول وملائكته، بحصر عدد شعيرات ذقنه، وطولها.

وهناك العامل الذي يبالغ في تمن ما قام به من عمل بسيط، مدعيا ان هذا السعر، بما يرضي الله، وانت لا تعرف من اين اتي بهذه الثقه.

عندما يذكر اسم الله، اعلم ان من قالها يريد ان يخرسك، واذا حاولت الرد، باغتك بجملة عجيبه..انت حا تكفر ولا ايه..فلا يكون ردك الا الصمت، اما اله سيدخلك النار توا، فليس لك الا ان تتعوذ بالله لينقذك من مصيرك الاسود.

تفعل كل ذلك، وانت لا تعلم انك تحمل الكثير من صفات الله، كالصدق والرحمه والموده والمحبه.

الغرب الكافر من وجهة نظر البعض، سلوكه كله اخلاق ومحبه ومراعاة الاخر واستضافته بطيبه وقلب سليم.

احنا بنتكلم كويس، وبنلبس بإلتزام، ولكن كل ده لا يعكس سلوك سليم وتصرفات محبه للأنسانيه.

الله محبه عند المسيحيين، ولكنه عند المسلمين يبطش ويمكر ويشوي في جهنم، هل تتلذذ الاله بتعذيب البشر،تعذيبهم علي ماذا،علي ما وضعه فيهم !

"قل لن يصيبنا الا ما كتب الله لنا" وفي الموروث "المكتوب عالجبين لازم تشوفه العين" اذن اين حدود مسؤليتي.

يقولون انت مسير للخير ومخير في الشر.

من دخل الجامع

دخل بأمر من؟

ومن دخل الخماره

دخل بأمر من؟

اسئله كتير الانسان المسلم بيتجنب يسألها...خايف

من ايه

ما تعرفش

بقلم أ/ أسما عوض



النصيب

لا تتعجب أيها المحلل النفسي والطبيب العبقري من نظرتي للأشياء وتحليلي لها... لقد كنت في فهمك لي سطحياً، ولم تحاول التعمق. ضع نفسك موضعي تكشف العلة، وتفهم السبب، أو انتظر إلى أن أكمل قصتي فتكتشف أنت الداء، ولربما الدواء في نفس الوقت...!!

لا تظنني مجنوناً إذا ما سمعت تلك القصة العجيبة، فلقد لمحت في قسمات الفتى لفحة حزن مروع، وهو يحكيها، جعلتني أصدقه ... وعلى كل حال يا صديقي سأُسمعك كلمات مريضي، ولك في النهاية الحكم. لقد سجلت كلامه في جلستنا، فلتستمع إليه.

لا أظنك أيها الطبيب إلا عاذري في مجنوني، ومشفق في تفكيري، وخاصة بعد أن تسمع قصتي الغريبة التي قالوا عني فيها إنها أوردتني العطب، وأبعدتني عن الصواب. جلس الطبيب النفسي في ترقُّب شديد بعد أن أخفت أنوار الحجرة، واقترب مني استعداداً لسماع تلك القصة الغريبة.

-إن المرء يا طبيبي لا يربح من حياته إلا ساعات الضحك؛ لذا أرجو منك ألا تظن بقولي سخرية إذا ما تسامرت معك، أو إذا ما علقت على إحدى كلماتك، وردود أفعالك.

نظر إليّ يتفحصني من قمة رأسي إلى أخمص قدمي في ذهول، وكأنما يريد أن يقول: أي مجنون هذا الذي أتعامل معه ولكنه تمالك أعصابه، ونظر إليّ بعينيه الغائرتين اللتين بدا الغضون يلتف حولهما، ثم قال لي:

- لا يهمك شيء، سأستمع إليك مهما كلفني الأمر، ولن أهتم لتعليقاتك.

بدأت أسرد حكايتي وقلت:

- بدأت قصتي منذ كنت طفلاً، فقد كنت دوماً أسمع من جدتي، ومن أقاربي الكبار كيف أن حياتنا كلها تعب وجهد، وكيف أن الإنسان المؤمن هو الوحيد القادر على تحمل مشقات الحياة ومصائبها، وأننا علينا أن نسير في الطريق مهما أدامتنا أشواكه، وأحرقنا سعيره. ولم تكن تلك الكلمات بالشيء الجديد على نفسي، ولكن ما كان جديداً، ما كان يتردد دائماً أمامي - هي تلك الكلمة: النصيب. نعم، فكلما تزوجت فتاة من العائلة، وحدث بعدها ما يجعل حياتها مستحيلة؛ فتنفصل عن زوجها يقولون: "هنعمل إيه..نصيب!!!" وقد كنت في إحدى زياراتي لجدتي، ووجدتها جالسة بجانب عمتي خديجة التي تقول لها: "لا تحزني يا أمي على فتحي! صحيح لقد كان نعم الأخ... ولكن الموت لا يفرق بين عدو وحبيب.. ده نصيبه، هنعمل إيه!!" فيزداد تعجبي من تلك الكلمة؛ فها هي ظاهرة موت عمي فتحي يفسرونها تحت اسم النصيب... صحيح أن الموت عودنا أن يكون طائشاً أحمق، فهو زائر بلا ميعاد، يزورنا بسبب وبلا سبب، وما من مرة زارنا فيها إلا وأدهشنا كل الدهشة وروعنا، وفاجأتنا رؤيته، كأننا لم نسمع به من قبل، ولكنه الموت وليس من حقنا أن نلغي وظيفته وأهميته، ونسلمها إلى النصيب ليحل محلها، غير عابئين بقيمة الموت وعمله! فما هو ذلك النصيب؟ بالله عليك يا طبيبي أخبرني ما قيمة ذلك النصيب؟!! لا تتعجب أيها المحلل النفسي والطبيب العبقري من نظرتي للأشياء وتحليلي لها... لقد كنتَ في فهمك لي سطحياً، ولم تحاول التعمق. ضع نفسك موضعي تكشف العلة، وتفهم السبب، أو انتظر إلى أن أكمل قصتي فتكتشف أنت الداء، ولربما الدواء في نفس الوقت...!!

فرمقني الطبيب بنظرة فاحصة ثم قال:

- إنني لم أنطق ولم أعلق، وإنما أدعك تحكي وتروي قصتك بهدوء، فلِمَ هذا الكلام؟؟!!

- لقد قرأت في عينيك أيها الطبيب ما يدعو للاستغراب والدهشة؛ مما جعلني أغوص في أعماق نفسك؛ لأعرف أنك تعتقد أنني ربما كنت مجنوناً.

فاندهش الطبيب وقرأت في عينيه تعجباً، وكأنما يريد أن يقول: أأنت الذي تعالجني وتكشف خبايا نفسي، أم أنا الذي من المفترض أن أقوم بذلك؟!

- لا تتعجل الحكم عليَّ. فقط استمع.

- أنا أستمع... أكمل.

استكملت كلامي معه لأقول

-إن كلمة النصيب هذه قد أثرت في نفسي، وتعجبت كيف أن كل الأناس تدرج أحداث حياتهم كلها تحت اسم النصيب ... وفي تلك الليلة ذهبت إلى منزلي، وجلست على سريري أفكر كيف يكون طلاق تلك الفتاة نصيباً؟! وكيف يكون مقتل عمي نصيباً؟! أهكذا تؤوّل الأحداث كلها إلى النصيب؟ وما شكل ذلك النصيب؟ وفجأة وجدت نفسي في غرفة غير غرفتي.. غرفة رمادية الحوائط، وهناك في نهاية الغرفة يستلقي رجلان على كرسيين من الطراز القديم، ثم بدأ أحدهما في فتح ذلك الدفتر الكبير الذي لا يستطيع إنسان على وجه الأرض - أياً كانت قوته إن كان حياً، ومن كوكبنا وعصرنا هذا – أن يحمله. وبدأ الرجل الأول يعرض الأسماء فيقول:

- أسماء محمد بكر. تسكن في حي السيدة زينب. عمارة رقم 35. شقة 17.. هذا ما ورد في دفتر البيانات... ماذا عندك في دفتر النصيب؟

فوجدت الرجل الثاني يفتح دفتراً كبيراً مكتوب عليه (النصيب) ليمسك فهرس الحروف الأبجدية:

- " ألف، ألف، ألف ، أجسم، أدهم، أسماء... نعم لقد وجدتها، وأمامها في خانة النصيب أنها لا بد أن تتزوج من سامي يوم 17/5/1986 ...على أن يتم الطلاق بعد ذلك بأسبوعين ...

- ولكن علينا أن نرتب خطة حتى تتم تلك الأحداث؛ ويكون ذلك نصيبها.

- ستتزوج من سامي الذي يقطن في حي الزمالك، وتكذب عليه وتوهمه أنها غنية. وبعد الزواج بأسبوعين يكتشف أنها خدعته وأنها فقيرة؛ فيطلقها وينتهي كل شيء، ويكون ذلك نصيبها.

ثم يقفان، وينفضان التراب المعلق بقفطانيهما.. يضعان الدفترين على المنضدة القديمة ذات اللون البني الداكن التي تسمع صوت تآكل الخشب وصفيره، وكأنه على وشك أن يتهاوى من شدة ما تَحمّل، ثم يخرج الاثنان من الباب الخلفي للحجرة.

نظرت إلى الحجرة المظلمة المعتمة الرمادية الحيطان، وإلى الكراسي البالية. أهذه هي حجرة النصيب؟ أهذان هما من يحددان مصير الإنسانية جمعاء؟!! لقد كنت أعتقد أنني سأرى حجرة وردية اللون، وأرى حراسها ورجالها يستمتعون بالجلوس على الأرائك المذهبة الوثيرة.. ولكن يا للعجب، يا لكل العجب!!!

نظرت أنا إلى الدفترين من بعيد، وترددت كثيراً في أن أتفحصهما... هذه هي فرصتي... نعم أريد أن أعرف نصيبي في هذه الدنيا..

أدرت عنقي لألقي نظرة على الطبيب الذي بدا عليه الشغف والاهتمام لمعرفة بقية القصة، وقلت له:

- ما رأيك؟

قال:

- فيم؟

- في نصيبي؟

- نصيبك عند الله، لا يعلمه أحد.

- أبعد كل ما حكيته تقول ذلك، إذن لماذا تطلقون على كل ما يحدث نصيباً.. على أية حال دعك من هذياني هذا!

واستكملت روايتي لأقول له:

- قررت أن أنتهز الغنيمة وأستطلع الدفترين، وذهبت إلى تلك المنضدة وبدأت في فتح الدفتر الأول: "ميم، ميم، ماجد، محمد، مروة، معتز.. ها قد وجدت اسمي … معتز … لننظر إذن … نعم هنا خانة النصيب ومكتوب فيها: "نحن الآن في عام 1986 ، سيقضي معتز حياته كأهنأ ما يكون ويستمتع بنعيم الحياة، وميعة الصبا… وفي سنة 1999 سيصاب بحالة هزيان شديدة، ويرقد إثرها في المستشفى ثم يموت بعدها.

ما هذا الذي أقرأ؟! أيمكن أن يكون هذا هو نصيبي؟!! لا، لا يمكن … لقد قلت مائة مرة إنني لا أؤمن بشيء اسمه نصيب… أحسست بثلوج اليأس تتراكم في نفسي… وظللت أصارع نفسي في صوت عالٍ غير مصدق لما أنا فيه، حتى أدركت أنه ربما سمعني الرجلان. أردت أن أنظر في الدفتر الآخر عن تفاصيل نصيبي، وموتي.. ولكن لم يمهلني الرجلان فلقد سمعتهما آتيين اختبئت خلف أحد الأرائك وهما يراجعان دفتريهما، وأنا لازلت غير مصدق لما يحدث!! كيف أموت بهذه السرعة وبهذه الطريقة؟ لا شيء في هذه الحياة اسمه النصيب. سأمزق الدفترين ولن يعد لهما وجود؛ وبذلك سأمحو نصيبي من هذا العالم.. وظللت أردد تلك الكلمات، حتى شعرت بجدتي تهدئني وتحاول إيقاظي، فاستيقظت لأجدها أمامي تقول:

- أعرف يا بني أن موت عمك فتحي قد يفعل بك أكثر من هذا، ولكن هوّن عليك، إنه نصيبه، ولا أحد يستطيع أن يعترض على نصيبه.

فصرخت في وجهها قائلا:

- ليس هناك شيء اسمه النصيب، ولن آبه للنصيب بعد الآن.. وسأعيش حياتي كما يحلو لي، ولسوف أبيح لنفسي كل أنواع النعيم والهوى والغواية

وطال العهد بحياتي التافهة العقيمة، فالداء قد احتكم حتى ألفته… ووقعت مغشياً عليّ، ولم أشعر بنفسي إلا وأنا هنا في المستشفى، وحينما استيقظت ووجدت نفسي هنا تذكرت الرجلين والنصيب، لا بد أنهما الآن جالسان في حجرتهما يخططان لطريقة موتي ويراجعانها… والآن يا محللي وطبيبي النفسي ها أنا هنا أمامك جسد مسجي لا حول له ولا قوة، كل ما يعرفه هو أن نصيبه الموت.

والآن أما وقد باتت معرفة بقية نصيبي متعذرة، فلا أرجو سوى المغفرة من الله قبل موتي… ترى هل يقبل الله أن يرجأ نصيبي إلى أن يقبل توبتي؟؟!!

قال الطبيب:

- فلندعو الله، لعل الدعاء يعيق النصيب عن أداء مهمته!

وخرجْتُ من حجرته مشدوهاً، ثم جاءت الممرضة بعد قليل تخبرني أن مريضي قد فارق الحياة، فنظرت إليها غير مصدق، فقالت لي:

- ذاك هو نصيبه!

أتراه كان محقاً فيما رواه، أم أن كل ما حدث كان من وحي الصدفة؟!! تمهل يا صديقي في الإجابة؛ فإني أصدقه!!!!

عفواً لقد رأيت نفس الحلم، وأعتقد أنك ستموت غداً … إنه نصيبك!!!

بقلم أ/سارة الجزار

صفحة الحوار الإنساني

يمكنك متابعتنا علي الفيسبوك


اعداد سابقة

يمكنك تصفح الاعداد السابقة من هنا


شارك العدد

شارك علي فيس بوك