corner

العدد الرابع - العقد الاجتماعي

هذه المجلة تعبر عن قضايا وهموم الإنسان بغض النظر عن إنتمائه الفكري أو العقائدي، ولذلك فإنها لا تنتمي إلي فصيل سياسي أو ديني أو طائفي، وإنما تنتمي للإنسان من حيث هو كذلك. إنها تخاطب العقل بالأساس، تخاطب الإنسان وفكره ووعيه، فنحن مع كل ما ينمي ويطور عقل ووعي، حرية وشرف، سعادة ووجدان الإنسان.

في هذا العدد

د. حسن حماد: إفتتاحية العدد

الأنبا مكسيموس: العقد الاجتماعي و الفرعون العبراني

د. عبد الله شلبى: الفِصَامُ النكد وحاكمية الطاغوت.

د. خيري فرجاني: العقد الاجتماعي والتحول من الدولة الدينية إلى الدولة المدنية

القس رفعت فكري سعيد: العقد الاجتماعي والتسامح

د. سامية عبد الرحمن: العقد الاجتماعي وديمقراطية الحكم " رؤية تاريخية فلسفي "

أ. حسن اسماعيل: المنحوتات الحالمة

الشاعر خالد النشوقاتي: اسئله

الفنانة هالة طوبار: رقصة الحياة

م. منال محمد:هنري ماتيس - المدرسة الوحشية وفنان

د. مرفت العماري: العقد الاجتماعي والمرأة

أ. ابتهال عبد الوهاب: حاجه المجتمع إلى السلطة (( العقد الاجتماعي))

م. منى توفيق: المرأة و السلطة

د. حسن يوسف: العقد الاجتماعى والاغتراب

د. بهي الدين: أخلاقيات العمل في ظل العقد الاجتماعي

د.سمير فاضل: كاتب وكتاب - ماركو بولو ة

ماريا: لوحات فنية

إفتتاحية العدد

ﺩ ﺣﺴﻦ ﺣﻤﺎﺩ
د حسن حماد

      ها هي مجلتنا الواعدة "الإنسان" تواصل مسيرتها وتواصل طريقها الذي اختارته، وهو النضال من أجل ترسيخ قيم الحرية والعدالة والسلام والتسامح والمدنية، وبعد أن قدمنا لك عزيزي القارئ ثلاثة أعداد بدأناها بالإرهاب، ثم مقاومة الإرهاب، ثم العلمانية.
      يجيء هذا العدد (الرابع) ليستكمل هذه المسيرة الفكرية بعدد خاص عن "العقد الاجتماعي". وفكرة العقد الاجتماعي هي فكرة تنتمي إلى عصر التنوير في أوروبا بدءً من نهايات القرن السابع عشر، وهي فترة تُعد من أخصب فترات الفكر الإنساني إنتاجاً للإبداعات العلمية والفلسفية والثقافية والسياسية.
      وفكرة العقد الاجتماعي هي صدى لتراجع سلطة رجال الدين واستعادة لمكانة وقيمة العقل بوصفه القوة التي تحكم العالم وتُسير التاريخ، فبعد أن كانت السلطة في العصور الوسطى مستمدة من الكهنة والرهبان الذين يمثلون ظل الله على الأرض، ويحكمون باسم الإله تغير الحال في عصر التنوير وعادت السلطة للإنسان، للشعب، فأصبحت السلطة السياسية والشرعية هي سلطة مستمدة من الشعب، وليس من أي قوة أخرى متعالية على الإنسان وكان لابد من وجود آلية جديدة تصون حق الجماهير وتمنع الحاكم من الاستئثار بالسلطة أو الاستبداد بها من هنا جاءت فكرة العقد الاجتماعي كي تؤسس لشكل جديد من السلطة، مفاده أن الشعب هو مصدر السلطات وليس الله أو إذ إن شئنا الدقة من يتحدثون باسمه.
      وهكذا فلم يعد العرف أو التفويض أو المبايعة أو الوراثة أو الحق المقدس هو ما يُشكل جوهر وطبيعة العلاقة بين الحاكم والشعب ولكنه هذا العقد، وهذا العقد وحده

      إن فكرة العقد الاجتماعي في التحليل الأخير تضع نهاية لتقاليد المجتمع الأبوي وتحطم الهيراركية أو تراتيبية السلطة، وتمنع الاستبداد والديكتاتورية، وتؤسس لمجتمع حداثي ومدني حقيقي يقوم على الحرية والعدل واحترام الإرادة السياسية للإنسان، ومن ثم احترام حريته وكرامته وإنسانيته.

اﻟﺤﻮاﺭ اﻻﻧﺴﺎﻧﻲ

الأنبا مكسيموس
العقد الاجتماعي و الفرعون العبراني
الانبا مكسيموس

      لم تكن شريعة موسى النبي أول شريعة مكتوبة في التاريخ؛ ولكنها كانت الشريعة التي غيرت تاريخ البشرية؛ بمواصفات عبقرية وملهمه بآن واحد؛ ضمن لها الخلود والتأثير إلى يومنا هذا وربما إلى نهاية الزمان! هذا علي الرغم من الثورة الشامله عليها التي أحدثها المسيح تحت عنوان" جئت لأكمل".
      وترجع عبقرية شريعة موسى إلى أن الفرعون العبراني المميز (موسى) الذي تهذب بكل فنون وحكمة الفراعنة وتدرب علي فنون الحكم والتشريع والقيادة؛ مزج الخبرة الفرعونية العالية بالإلهام الروحي العبراني؛ فخرجت الشريعة تحمل دقة العبقرية المصرية في التشريع مع قسوة الفرعون المصري الذي سخّر أبناء الشعب لبناء الأهرامات؛ وهي أيضا مغلفة في عباءة الحرام والحلال وطاعة أوامر وعبادة يهوه العظيم!( الله).
      وهكذا قدمت لنا شريعة موسى أقوى منظومة تشريعية متكاملة تحكم الرعية إنسانياً؛ بالسلطان الإلهي المطلق أكثر من تسلط السلطان نفسه! ومن هنا نشأت فكرة الحكم بإسم الله. وأما نسبة التشريع الموسوي إلي موسى وليس إلي الله! فهذا كلام المسيح: " موسى أوصاكم أن تطلقوا نسائكم " وليس الآب السماوي؟!
      وهذه الجملة الاخيرة هي مفتاح فهم التاريخ؛ ولماذ كانت مسيحية المسيح ثورة على الشريعة لصالح الإنسان؟! "السبت من أجل الإنسان وليس الإنسان من أجل السبت". هذا قد صار مختلفا عن المسيحيه الاميريكيه الحالية؛ والمستهودة! بفعل فاعل!
      ومن نكد الدنيا أن المسيحية المستهودة في الغرب حالياً لم تكن الطبعة اليهودية الوحيدة للمسيحية المستهودة؛ ولكن سبقتها الكنيسة الكاثوليكية في العصور الوسطى التي قتلت وأحرقت وأغرقت الناس حكماً من هيئة رؤساء كهنة كنيسة المسيح! بشرع الله الموسوي القديم!!؟
      هذا التاريخ القمعي المبكي المؤلم! بإسم الله! وهو الحكم بشرع الله وبسلطان رؤساء الكهنة هو بعينه ما طبق في شرقنا تحت عناوين : الحكم بشرع الله؛ وولاية الفقيه والخلافة إلخ.
      كان لابد أن تثمر حركة نضج العقل والوعي الإنساني؛ وأيضا كمية الفظائع التي أرتكبها رجال الدين بإسم الحكم بشرع الله! إلى حدوث التغيير؛ كان هذا في سنة ١٧٦٢ عندما توصل جان جاك روسو إلي نظرية العقد الاجتماعي وأنضم إلى فكره آخرون لتولد بداية ويشرق فجر جديد على البشرية يصيغون فيه العقد الاجتماعي بين السلطه التي تحكم والشعب الذي يُحكم؛ دون حكم الكهنة والفقهاء!
      لقد إكتشفت البشرية أن الحكم بشرع هو أكذوبه كبيرة على البشرية للزج بإسم الله كوسيلة لإخضاع الشعوب لهم والتسلط عليهم ونهب ثرواتهم بإسم الله وبإسم الحكم بشرع الله!



image

اﻟﺪﻳﻦ ﻭاﻟﻤﺠﺘﻤﻊ

د عبد الله شلبي
الفِصَامُ النكد وحاكمية الطاغوت.
د عبد الله شلبي

      الفِكرةُ المحورية في مشروع الجماعات الأصولية الإسلامية هي، وببساطة شديدة، أن خلاصنا الحقيقي من كل علل وأسقام مجتمعنا الموسوم وفق معاييرهم بالجاهلية والكفر، يتمثل في العودة إلى الإسلام من جديد وإقامة دولته، تنفيذاً لأمر الشرع، وتطبيقاً لأحكامه، وتحكيمه في كل أمور حياتنا الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية...، انتهاءاً إلى أصغر التفاصيل في حياة الأفراد والمجتمع بأسره، ولذلك فمشروعهم منذ البداية يستهدف تحطيم مملكة البشر، مُغتصبي الحاكمية الإلهية، ومُدعي الربوبية، ليُقيم مملكة الله في الأرض والتي يتم تسييرها وفق منهج الله وشرعه.
      وتَضَعنا الجماعات الأصولية الإسلامية منذ البداية أمام خيار وحيد وحتمي، إما أن نقبل مشروعها، أي نقبل ما يقصدونه بالحاكمية الإلهية، أو نرتضي الجاهلية وحاكمية الطاغوت، إما أن نتخذ منهاجهم كمدخل لفهم المجتمع وتغييره وتنظيمه وإدارته، أو نقع في هُوة المعصية، ونُحشر في زمرة الكافرين الجاحدين بزعم أننا نتبع مناهج الطاغوت، ولذلك فهذه الجماعات تمنح نفسها سلطة إعطاء صكوك الغفران وشهادات التكفير لمن تشاء وتريد، لأن أعضائها يتوهمون أنهم وحدهم يملكون المعرفة اليقينية، ويحوزون الحقيقة المطلقة، وهم لا يجيزون لغيرهم الحق في ادعائها أو الشك فيما لديهم أو حتى مناقشته، وفي تقديري، أن وهم الانفراد بحيازة الحقيقة المطلقة وامتلاك المعرفة اليقينية وحجبها عن الآخر، من شأنه أن يحد من سلطان العقل، ولذلك فالمشروع الأصولي الإسلامي يصادر العقل والعلم الإنساني بزعم قصورهما ومحدوديتهما، ويهمش الإنسان كقيمة مُبدعة، ويحل الله مكانه وهي رؤية تؤسس وترسخ الاغتراب الكوني والمجتمعي للإنسان كقيمة مبدعة، وتحاول تنظيم المجتمع الإنساني من خارج المجتمع وتاريخه.
      وفي تقديري، أن قيام نظام سياسي يطبق مبدأ الحاكمية الإلهية كما تصوره أعضاء الجماعات الأصولية الإسلامية، ليس في حد ذاته ضماناً لتحرر المصريين وخلاصهم من كل صنوف الاستبداد، لأنه يؤكد الاستبداد والطغيان باسم الدين، ويؤدي تطبيق هذا المبدأ إلى وقوع المصريين في نوع جديد من الاستبداد والتسلط، فالنظام السياسي المتُصور وفقا للحاكمية الإلهية، يعني ممارسة رجال الدين للسلطة السياسية واحتكارها على مستويات عديدة أهمها احتكار التعبير السياسي المنظم من خلال الهيمنة على الحكم، وإقصاء كل التيارات السياسية الأخرى المختلفة معها أو "أحزاب الشيطان" من اليسار واليمين، والتي يمتنع قيامها شرعاً، علمانية كانت أو دينية أخرى، ونتيجة لهذه الهيمنة سيصبح لرجال الدين الأغلبية الحاسمة والقول الفصل في كل مؤسسات الدولة، وإشرافهم على توجيه كل أمورها في الداخل والخارج لضمان عدم الخروج عن صحيح الدين الإسلامي وتعاليمه.




      كانت مهمة حسن البنا (1906 – 1949)، مؤسس جماعة الإخوان المسلمين، هي بعث الإسلام الأصولي لا الاجتهاد فيه، وقطع كل محاولة للتصالح أو التوفيق مع الحضارة الغربية الحديثة، ورفض كل مظاهر التقدم فيها، فهي، وعلى حد تعبير البنا نفسه، "حضارة مادية مريضة ملوثة بالإلحاد والإباحية والأنانية والربا" ، وأن "إسلامنا وحده بشموليته وتفرده قادر على التصدي لكل تفاصيل حياة الفرد والمجتمع والدولة دون حاجة إلى أي اقتباس أو استعارة من حضارات وأنظمة أجنبية.
      وينكر سيد قطب (1906 – 1966) المنظر الرئيس المعتمد للأصولية الإسلامية، أن تكون هناك ضرورة للاجتهاد؛ "فنحن جميعاً جاهليين، ولم نصبح مسلمين بعد، وعلينا أولاً الإقرار بأن الحاكمية لله وحده وهي تتمثل في شريعة الله والتي تعني كل ما شرعه الله لتنظيم الحياة البشرية في أصول الاعتقاد والحكم والأخلاق والسلوك والمعرفة، وعلى ذلك فليس من حق بشر أن يُشرع لبشر، وليس بمستساغ الخروج على شرع الله أو الحاكمية الإلهية بدعوى التعارض بين الشرع وبين مصلحة البشر؛ فالله هو خالق الكون بما فيه ومن فيه، ولأن مصلحة البشر متضمنة في شرع الله، وإذا ما بدا للناس ذات يوم أن مصلحتهم في مخالفة ما شرعه الله لهم، فهم أولاً واهمون، وهم ثانياً كافرون".
      وفي رأي قطب، أن المسار الحضاري الذي خبرته المجتمعات الأوروبية منذ تفكك وانهيار نظم العصور الوسطى الاقطاعية والمتمثل في الإصلاح الديني، والعلمانية، والعقد الاجتماعي، والتنوير، ثم الليبرالية والديمقراطية كنظم حاكمة؛ قد صرفت أوروبا لا عن تصورات الكنيسة فحسب، وإنما صرفتها كلية عن منهج الله، فتم الانفصال بين التصور الاعتقادي الإلهي، ونظام الحياة الاجتماعية، ومن ثم حدث ما أسماه قطب "بالفصام النكد" حيث انفصمت حياة المخاليق عن منهج الخالق، وكان لهذا الفصام آثاره المدمرة في أوروبا، ثم في الأرض كلها، فكانت الجاهلية، ويعني بها عبودية الناس للناس بتشريع بعض الناس للناس، وتُصبح المهمة، في رأيه، هي إعادة تعبيد الناس لربهم بتلقيهم منه وحده تصوراتهم وعقائدهم وشرائعهم وقوانينهم وقيمهم ونظم حياتهم بكاملها، فيتم بذلك التحرر من عبودية العبيد وتحطيم الطاغوت، والإسلام وحده كفيل بذلك، وهو لا يقبل أنصاف الحلول: إما حكم الله، وإما الطاغوت أو حكم الجاهلية.
      ويخلص سيد قطب، إلى أن الإسلام جاء كإعلان عام لتحرير الإنسان في الأرض من العبودية للعباد، بإعلان ألوهية الله وحده للعالمين، وكان هذا إعلاناً حركياً واقعياً إيجابياً، والذي يدرك طبيعة الإسلام، يدرك معها حتمية الانطلاق الحركي له في صورة الجهاد بالسيف للانقلاب على المجتمعات الجاهلية وتحطيمها ومن ثم فالحرب ضرورية للقضاء على المجتمعات الجاهلية المعاصرة، أو، إن شئنا الدقة قلنا: للقضاء على حضارة العصر، هذه الحضارة التي أخطأت طريقها يوم جعلت الملابسات النَكدة التي صاحبت العلمانية والعقد الاجتماعي والتنوير والليبرالية والديمقراطية، تصرف الناس والمجتمعات عن منهج الله، وتوقع الفصام النكد في حياتهم بين شريعة خالقهم ونظام حياتهم الاجتماعية.
      ومنذ بدايات الربع الأخير من القرن العشرين وحتى اللحظة الراهنة شهد المجتمعات العربية والإسلامية وفي المقدمة منها المجتمع المصري، ظهور العديد من الجماعات الأصولية الإسلامية ، أخذت على عاتقها مهمة تجسيد التصور القطبي وجعله حقيقة واقعية، فدعت إلى الحاكمية الإلهية، وأقرت بجاهلية المجتمعات والبشر ووسمتهم بالكفر بحكم أنها محكومة بالطاغوت، وذهب بعضها إلى حد الانسلاخ عن المجتمع الكافر وهجره، وتكوين جيتو Getto من الأتباع المهاجرين من الزمان، المخاصمين للعصر كله والرافضين التفاعل مع ما حولهم، منتظرين يوم الانقلاب والعودة لتعبيد الناس لربهم. وفي حين اتجهت جماعات أصولية إسلامية إلى انتفاء قضايا محدودة للغاية لإثبات تميز الإسلام وتفرده، واختلافه عن المفاهيم والقيم الغربية الكافرة، كضرورة عودة النساء إلى الحجاب والنقاب، وتأسيس بنوك إسلامية غير ربوية، وضرورة إقامة الحدود الشرعية، والتفرقة في المعاملة بين المسلمين وغيرهم من أتباع الديانات الأخرى داخل المجتمعات الإسلامية؛ فإننا نجد جماعات أخرى قد ارتأت أن الإسلام انتصر بالمجاهدين لا بالفقهاء والدعاة، وبالسيوف لا بعلوم الكلام، ومن ثم تحول الدعاة والمصلحون إلى مجاهدين حملة أسلحة بيضاء وسوداء، وألوان أخرى عديدة، يهاجمون الحداثة ويكفرون أهل الفكر والإبداع ويبطشون بمن خالفهم الرأي ويحلِّون دمه، ويدعون الوصاية على المجتمع الجاهلي الكافر ويسعون إلى قلبه. وعلى يد هذه الجماعات، انقلبت وعود المصريين مع المستقبل إلى سباقات نحو الماضي لاستعادة ما خلفه الأسلاف العدول.
      وفي تقديري، أن الدعوات التي تشيعها وتروج لها الجماعات الأصولية الإسلامية تنطوي على ِإعلان بإقالة العقل المصري من مهامه ودفعه إلى الأفول تماماً بدعوى الحاكمية الإلهية وعجز البشر وقصورهم عن التشريع لأمور دنياهم وتنظيمها وإدارتها وفق العقل والمصلحة والإرادة الشعبية الحرة العاقلة، وبحيث تكون المحصلة استقالة الإنسان المصري وعجزه عن القيام بدور بناء في بناء مجتمع عصري، وانسحابه، أو ابعاده، عن ساحات الصراع الأساسية من أجل العقلانية والحداثة والاستقلال والحرية والكفاية والعدل والكرامة الإنسانية، ثم دفعه إلى تبني الخرافة والجهل، وإغراقه في معارك وهمية حامية الوطيس خارج الزمان والمكان مع أشباح لمشكلات مهترئة أحياناً، ومنقضية فيما وراء الحياة والتاريخ.



ﺩ ﺧﻴﺮﻱ ﻓﺮﺟﺎﻧﻲ
العقد الاجتماعي والتحول من الدولة الدينية إلى الدولة المدنية
د خيري فرجاني

      ليس ثمة شك، أن العلوم الاجتماعية والإنسانية تتصف بعدم الثبات؛ لأنها تتصل بالسلوك الإنساني الذي يتسم بالتحول والتغير بصفة مستمرة.. ومصطلح العقد الاجتماعي ليس مصطلحاً حديثاً، بل هي فكرة قديمة طُرِحَتْ منذ العصر اليوناني، ولكنهم لم يتوصلوا إلى تعريف أو نظرية محددة، وعلى الرغم من الجذور العميقة لمفهوم العقد الاجتماعي لكنه لم يرد بالصيغة المتعارف عليها الآن، فقد عُرِفَتْ فكرة العقد الاجتماعي عند بعض مفكري حضارات اليونان والرومان والعصر الوسيط، وقد وصلت أوج ازدهارها في القرن السابع عشر لدى مفكري عصر النهضة والتنوير؛ حيث ظهرت البلورة الحقيقية لنظرية العقد الاجتماعي في عصر الأنوار.. عرف مفهوم العقد الاجتماعي عبر التاريخ مجموعة من التطورات الملموسة، حيث أضفى كل فيلسوف على هذا المفهوم الذي بقيَّ في ارتباط وثيق بالأنوار. كما عرفت المجتمعات تقدما ملحوظاً على مستوى العلاقات الاجتماعية، كل هذا كان بفضل هذا المفهوم العميق (العقد الاجتماعي) كان لنظرية العقد الاجتماعي فضل كبير في التحول من الدولة الدينية (الثيوقراطية) التي كانت سائدة في العصور الوسطى، إلى الدولة المدنية الحديثة (الديمقراطية)، أو ما يعرف بالدولة القومية الحديثة؛ حيث تحول مسار التاريخ البشري نحو تكريس مفهوم المواطنة القائم على أساس المساواة في الحقوق والواجبات بين أبناء الوطن داخل حدود الدولة.
      والثيوقراطية كلمة يونانية مشتقة من كلمتين " ثيو" وتعني حكم، "قراطية" وتعني الدين، وهذا المفهوم يعني حكم رجال الدين أو حكم الدين. فالثيوقراطية إذن هي نظام حكم يستمد الحاكم فيه سلطته مباشرة من الإله، حيث تكون الطبقة الحاكمة من الكهنة أو رجال الدين الذين يعتبروا موجهين من قبل الإله أو يمتثلون لتعاليم سماوية، وتكون الحكومة هي الكهنوت الديني ذاته أو على الأقل يسود رأي الكهنوت عليها، ومن ثم يكون لرجال الدين السلطة العليا واليد الطولى في إدارة شؤون الدولة وسن القوانين.. كان أول من صك مصطلح "ثيوقراطية" هو جوزيفوس فلافيوس في القرن الأول الميلادي لوصف الحكومة القائمة عند اليهود حينذاك. ومع حلول حقبة التنوير في أوروبا، بدأت الثيوقراطية تأخذ دلالة سلبية بشكل كبير؛ حيث انبرى عدد من الفلاسفة لمعارضتها وإبطال ما استندت إليه، خصوصا الفيلسوف الألماني هيجل، وكذا "هوبز" الذي نظر إلى الدولة باعتبارها كيان موحد للعقائد، ولا مجال للصراع والاختلاف. كما أكد على أن المهمة الأساسية للدولة هي توفير الأمن والاستقرار والخروج من حالة الطبيعة إلى حالة النظام.
      فيما نرى "جون لوك" وقد تصدى لسطوة التصور الديني السائد، وواجه الرؤية التي تؤصل للتصور السياسي بأصول دينية. وفي كتابه "رسالة في التسامح" حاول جون لوك الفصل بين سطوة الدين والسياسة، ويعد من أهم المجددين للتفكير الديني؛ فقد حاول تصحيح تلك الاعتقادات الشائعة. كما تصدى لكثير من الأفكار التي طرحها رجال الدين، تلك الأفكار التي تبيح وتشرع التدخل في الضمائر، والتدخل كذلك في الحياة الاجتماعية. كل هذا اعتبره "جون لوك" تعدياً على الحرية الشخصية، خصوصا وأن جون لوك كان تنويرياً بامتياز، والحرية جزء لا يتجزأ من الأنوار.
      ومن هنا، بدأ التحول إلى مفهوم الدولة المدنية الحديثة، تلك الدولة التي تحافظ وتحمي كل أعضاء المجتمع على أساس المواطنة بغض النظر عن انتماءاتهم القومية أو الدينية أو الفكرية. وهناك عدة مبادئ ينبغي توافرها في الدولة المدنية أهمها: التسامح وقبول الآخر والمساواة في الحقوق والواجبات، وألا يخضع أي فرد فيها لانتهاك حقوقه من قبل فرد آخر أو أي طرف آخر. فهناك دوماً سلطة عليا هي سلطة الدولة والتي يلجأ إليها الأفراد عندما يتم انتهاك حقوقهم أو تهدد بالانتهاك. فالدولة هي التي تطبق القانون وتمنع الأطراف من أن يطبقوا أشكال العقاب بأنفسهم، ومن أهم مبادئ الدولة المدنية أيضا أنها لا تتأسس على مبدأ خلط الدين بالسياسة. كما أنها لاتعادي الدين أو ترفضه. حيث أن ما ترفضه الدولة المدنية هو استخدام الدين لتحقيق أهداف سياسية، فذلك يتنافى مع مبدأ التعدد الذي تقوم عليه الدولة المدنية، كما أن هذا الأمر قد يعتبر من أهم العوامل التي تحوٌل الدين إلى موضوع خلافي وجدلي وإلى تفسيرات قد تبعده عن عالم القداسة وتدخل به إلى عالم المصالح والصراعات الدنيوية.



image


القس رفعت فكري
العقد الاجتماعي والتسامح
القس رفعت فكري

      وفي القرن السابع عشر تأسست نظرية العقد الاجتماعي عند الفيلسوف الإنجليزى جون لوك (١٦٣٢- ١٧٠٤)، وموجز النظرية أن المجتمع من صنع الإنسان، ومن ثم ينتفي مبدأ الحق الإلهى للملوك، أى أنه ليس من حق الملك الزعم بأن سلطانه مستمد من سلطان الله، إذ هو مستمد من سلطان الشعب، ولابد من تكوين مجتمع بـ«عقد اجتماعى» ينص على «موافقة» البشر على التنازل عن بعض حقوقهم لحاكم يأتى بإرادتهم فى مقابل أن يحقق لهم الأمن والأمان، ويستلزم ذلك أن يكون سلطان الحاكم سلطاناً نسبياً وليس سلطاناً مطلقاً، ويستلزم ذلك أيضاً أن المفاهيم المترتبة على العقد الاجتماعى تكون مفاهيم نسبية بالضرورة، ويأتى فى مقدمة هذه المفاهيم مفهوم التسامح، وقد حرر لوك «رسالة فى التسامح» نشرها فى عام ١٦٨٩، وينتقى منها الفيلسوف المصري الدكتور مراد وهبه أربع عبارات هامة هى: «ليس من حق أحد أن يقتحم، باسم الدين، الحقوق المدنية والأمور الدنيوية»، «فن الحكم ينبغى ألا يحمل فى طياته أية معرفة عن الدين الحق»، «خلاص النفوس من شأن الله وحده»، «الله لم يفوض أحداً فى أن يفرض على أى إنسان ديناً معيناً». ما مغزى هذه العبارات؟ يقول مراد وهبه إن مغزى هذه العبارات عند لوك، أن التسامح يستلزم ألا يكون للدولة دين حتى لو كان هذا الدين، من بين الأديان الأخرى، هو دين الأغلبية لأنه لو حدث عكس ذلك، أى لو كان للدولة دين الأغلبية فتكون هذه الأغلبية طاغية بحكم طبيعة الدين، وعندئذ يمتنع التسامح بحكم أنه نسبى لأنه من إفراز العقد الاجتماعى المؤسس على العَلمانية.



دكتورة سامية عبد الرحمن
العقد الاجتماعي وديمقراطية الحكم " رؤية تاريخية فلسفية"
دكتورة سامية عبد الرحمن

      فكرة العقد الاجتماعي راودت أجيال عديدة، وكانت متداولة منذ أيام" أفلاطون" في القرن الرابع ق.م. وكانت نظرية العقد الاجتماعي وسيلة للتعبير عن فكرتين أساسيتين أو قيمتين سيظل العقل البشري يتعلق بهما دائما هما قيمة الحرية وقيمة العدالة كأساس للحكم في أي مجتمع سياسي .
      وقد ظهرت نظرية العقد الاجتماعي في كتابات القديس "توما الأكويني" حوالي ١٢٥٠، وقيل عنه أن لديه قدر كبير من التحررية السياسية، وقد انتقلت هذه الفكرة من العصور الوسطى إلى"هوكر"، ومنه إلى "جون لوك"، و"اسبينوزا" في العصر الحديث .
      وفي القرن الثامن عشر انبثق عصر جديد مع ظهور كتاب "هوبز " العملاق أو التنين Leviathan 1561، وكتاب "روسو" العقد الاجتماعي 1762، كما ظهرت هذه الفكرة في الفكر المعاصر في كتاب "هربرت سبنسر" الإنسان ضد الدولة في أواخر القرن التاسع عشر. على أن أكثر النظريات تأثيرا في تاريخ الفكر الفلسفي ما جاء في كتاب " جان جاك روسو "عن العقد الاجتماعي ومدى تأثيره في إصلاح مفاسد المجتمع، وتصحيح التفاوت الاجتماعي ، وضمان الحرية والمساواة أمام القانون لكل أفراد الشعب ، من خلال النظام الديمقراطي .
      وقد لقب روسو بفضل هذه الآراء بأنه نبي الديمقرطية في القرن الثامن عشر، كما قرر "كول" أن كتاب العقد الاجتماعي لروسو لا يزال أهم مرجع في الفلسفة السياسية إلى اليوم.



image

نصوص إبداعية

الأستاذ حسن إسماعيل
المنحوتات الحالمة
حسن إسماعيل


لا تحتاج من يقبل ضعفك فقط .. بل من يأخذ روحك الى القيامة
لا تحتاج لمن يمسح دمعك فقط .. بل لمن يأخذ قلبك لوطن البهجة
لا تحتاج لمن يتعامل مع قيدك برفق فقط .. بل لمن يكسر أغلال الجوهر

أحلام الإنسان دوائر تطوره ..
كل طور كان له أحلامه وخياله في سلم الصعود الإنساني وسلم تدهوره

مرايا خياله وأحلامه تقول من هو
ملاكه كان على صورته كشبهه
ميزان حسابه كان على صورته كشبهه
قبره وخلوده .. ناره وخلوده .. كانوا على صورته كشبهه
آلهة خياله وشياطينه .. كانوا على صورته كشبهه
حتى أساطيره .. كانت ذيل تمساح ورأس أسد وجسد ثور وجناح نسر .. كل ما يعرفه ويراه يشكل به لوحات خياله

يعلق كل المشاهد على جدار باطنه ..
فيشعر بالخوف مع الوقت من بعض اللوحات
ويثار من البعض الآخر
ويرغب في البعض

والموت حجر أساس خياله وأحلامه ومجهوله الوجودي جدا
كان يعرف الكبرياء الذي يعمي البصيرة
فسقطت ملائكته به

كان يعرف أن الحب المتواضع جوهر الجاذبية العظمى
فجعله جوهر الآلهة

كان يعرف أن الخوف رادع مهم للغاية
فجعله جحيما مهابا

رسم الخرائط والحدود وصنع الأوطان وجعل الانتماء إقامة الجبرية بالداخل
وجعل الشعور بالذنب ضميرك وسجانك بالداخل

وجعل التضحية نبل قرابين الاستشهاد على المذابح الذهبية المصنوعة بعناية فائقة
جعلك تصدق بلا أجهزة قمعية خارجية
تطيع وحدك .. تسجد وحدك .. تتمرد وحدك .. تستشهد وحدك .. وتم ضبط الكل

القطيع يتكاثر ويحتاج للسواقي .. لكي يفرغ طاقته التدميرية
والثروات تعرف من يخرجها ويستثمرها ويستفيد بها .. أهل العلم

ومصانع لسلاح قبل سوق الحرب
والورود قبل أعياد الحب
إدارة العالم تحتاج للهيكل والماخور والمصانع

طين الخوف يشكل كل المنحوتات الحالمة
يشكل هذا العالم على صورته كشبهه



image


الشاعر خاد النشوقاتي
اسئله:
الشاعر خالد النشوقاتي

      كنت وانا صغير مقتنع ان اول جريمه في تاريخ البشريه،كانت بإيد هابيل،،يعني هابيل قتل قابيل..علشان تناص الاسم مع الهبل وكده،ولما كبرت عرفت ان قابيل هو القاتل،ازاي يبقي قابيل قتال قتله ونسمي عيالنا علي اسمه!!.
      وبعدين لما كبرت شويه وقريت الفتنه الكبري لعميد الادب العربي طه حسين،وعرفت المؤامره اللي اتلعبت علي علي ابن ابي طالب من معاويه،واللي حاكها عمرو ابن العاص،وضحك بيها علي الراجل الطيب ابو موسي الاشعري،وخلاه يتنازل عن الخلافه،في مشهد تمثيلي يقترب من المسخره،استولي معاويه علي الحكم،وعمرو والاشعري شتموا بعض،المهم بقي حكاية القاتل والمقتول،وان بعد كده في ناس انضموا لعلي ودول بقي اللي تشيعوا لعلي وبعد كده بقي في مذهب اسمه الشيعه والمذهب ده اتفرع فروع كتير..الاثني عشريه والجعفريه والعلويين الي اخره.
      واللي وقفوا مع معاويه،بقوا اصحاب المذهب السني،اللي اتفرع هو كمان لسنه وسلفيه واخوان وشرعيه الي اخره.المصيبه بقي ان حضرتك بمذهبك السني،تتبع القاتل،رغم تعاطفك مع المقتول.
      حتي لما دخل المعز لدين الله الفاطمي مصر،واسس الازهر ليكون منارة لنشر المذهب الشيعي،لم يعجب المصريين،وما بقي من الشيعه،غير الاحتفالات والموالد وبعض الطقوس والاكلات..ويعلم سر هذا رب العالمين.
      وبرغم ان الجمعيه الشرعيه،تأسست في مصر سنة ١٩١٢ وبعدها،جماعة انصار السنه سنة ١٩٢٤،وجاء بعدهم حسن البنا بجماعته سنة ١٩٢٨،والتي اسسها بالاختلاف مع الجمعيات الاخري بإدخال الجهاد في جماعته،وهو الشئ الذي سمح له بتأسيس اول ميليشيات،تحت مسمي الكشافه،وتغلغل المذهب السني بأفكاره العدوانيه وبإحيائه نصوصا هجرت وكانت لها ضروره في وقتها،ثم كانت الطامة الكبري بالهجرات الي الدول المجاوره،التي بدأت علي استحياء مع نهاية الستينيات،ووصلت ذروتها مع نهاية السبعينيات وارتفاع اسعار البترول طرديا مع شهداء مصر من الابطال في حرب ١٩٧٣،وامتلأت خزائن البلاد المجاوره بالدولارات،واصبحوا في احتياج للحياه الحديثه،من تعليم وصحه وبناء وقضاء ورياضه،عايزين كل حاجه،وطبعا استعانوا بالمصريين،اللي افتقروا لحظة ثراء جيرانهم.
      اغلب الخريجين،كانوا بيتخرجوا ومعاهم عقود العمل،للاسف سافروا ورجعوا بثقافه مختلفه كل الاختلاف عننا.
      في الحقيقه المصريين كانوا متبنيين من الاسلام اوسطه،وما كانوش بيغالوا في اي مظهر،لانهم منذ الازل اصحاب فكرة الاله والعبادات،ولو قريت كتاب الموتي الشهير بمتون الاهرام لوجدت الماده الخام للاديان الثلاثه،وصايا موسي،والتثليث والصلاه والركوع والسجود حتي الثعبان الاقرع،لن تجد له وجود الا في كتاب الموتي.
      للاسف عاد المصريين بالجلابيه السعودي،وبالعادات والتقاليد،وانتهي سبوع المولود وحلت العقيقه،وانتشر الحجاب الذي يدل ولا يعبر،وبعد ان كنا مجتمع الوسطيه،اصبحنا مجتمع الارهابيه،وبقيت تلاقي واحد بيسألك انت بتصلي..انت بتصوم الغريب ان بيسألك لو دخلت بعديه الحمام حا تلاقي الحمام مليان دخان من السجاير،وبكده بقينا مجتمع الكده وكده،وانتشرت الدقون والزوايا في المصالح الحكوميه ومعها الرشوه.
      مش ناسي لما كنت قاعد مع صاحب شركه مسيحي،واتكلمت معاه واحده من مهندسات الحي تستعجل الرشوه علشان ماتفوتهاش العمره،خلص المكالمه بسرعه لاني عملتها اسكندراني..ايه حا تعملوها معايا،ولا ناويين ترجعوا لمصر وترجعوها.

رسالة الفن

الفنانة التشكيلية هالة طوبار
رقصة الحياة
الفنانة هالة طوبار

      الأرض. نبع الحياة سرنا المقدس. تعطي وتمنح موسيقي الحياة وفلسفة الموت داخلها لتعيد لنا هبة الحياة.
      الأحمر أيقونة البعث. يحمل ايقاع الوجود في محتواه الخاص عندما ينشد راقصاً متحديا ظلال الفناء في تمايل الفالس الصاخب. ينشد حنينه. للأرض. راقصاً موكدا أنه محمل بايقاعات الحياة هبة الأرض الأم. راقصاً فرحاً. ينشر عطر ربيعي. منسجماً في تناغم. مع ذاته. فرحاً متمايلاً
      وتختفي وراه في ضبابيه الدخان. فكرة الفناء بلونها القاتم وهو مشرعاً كسيف محارب للسماء. متحدياً الفناء. 
      تظهر الحياة في شكل باليرنا راقصة باللون الأحمر وهو شريان الدم رمز الحياة. وتميل. في اتجاه الأرض. البيضاء بلون المنح. والنقاء.  وكأنها تعانقها أو تحضنها. متلاشيه لون الفناء في خلفية اللوحة يظهر بعيدأ في وجود شبه ضبابي.


اللوحه ١٢٠ * ٩٠

image

لوحة وفنان

م. منال محمد
هنري ماتيس - المدرسة الوحشية
م. منال محمد

      عُرفت هذه الحركه الفنيه بهذا الاسم لكونها قد اعتمد فنانيها على تسطيح أعمالهم.. وتبسيطها فكانت اشبه بالرسم البدائي. وقد أطلق عليها هذا الاسم الناقد الفني (لويس فوكسيل) عندما شاهد تمثال لأحد الفنانين وقد امتاز بالألوان الصارخه فأطلق عليه لقب(وحشي)..عام1906. ............. هنري ماتيس 1869ـــ1454 لم ينوي ماتيس أن يكون فنانا في البدايه فقد درس القانون.. ومن ثَم درس الصيدله.. ولكنه اكتشف موهبته عندما أقعده المرض في الفراش فأهدته والدته.. علبه من الألوان... بعدما اكتشف موهبته قام بدراسه الفن في معهد الفنون الزخرفه ولكنه تزوج وترك المعهد وسافر.. عاد إلى باريس عام 1901 وقام برسم المناظر الطبيعية والطبيعة الصامتة.. وقد تأثر بالفنان (بول سيزان).. بعد فترة من المرض والقلق بدأ الاستقرار وذاع صيته كفنان مبدع..وأصبح ثرياً.. هدف.. ماتيس.. إلى خلق التناغم من الأشكال.. وطبعاً مع الألوان الصارخه المسطحة بدون ظل ونور.. تأثر كذلك بالرسوم النباتيه الإسلامية، قام ماتيس بعمل لوحات جدارية.. مع الجريد في اللون.. كذلك قام بعمل لوحات مطبوعة على الحجر وتُعرف باسم (الليثوجراف) أي الرسم على الحجر باستخدام تقنيه التخريز ب سن الابره.. كذلك على الخشب.. قام هنري ماتيس بوضع الرسوم المصاحبه لأكثر من ديوان شعر.. مثل.. أزهار الشرق وديوان الحب.. للفنان كذلك بعض الأقوال المأثوره.. ١- إن لم يكن بامكاني الذهاب إلى الحديقه سأجعلها تأتي إلى.. ٢- عند النظر إلى اللوحه عليك أن تقطع لسانك.. أما لوحاته التشكيليه.. فنجد أكثر من عمل فني رائع يتضح بها الألوان الصارخه والتسطيح اللوني وقد توفي في نيس ب فرنسا عام 1954... أعماله هي..

image


image


image


د مرفت العماري
العقد الاجتماعي والمرأة
د مرفت العماري

      مما لا شك فيه أن ظهور مصطلح العقد الاجتماعي مرتبط ارتباط وثيق بالتنوير والرغبة فى وضع حدود لكل شىء. كيف نتعامل مع الدولة كيف نتعامل مع بَعضُنَا البعض وفى رأى التدخل حتى فى التفاصيل الصغيرة فى علاقة الرجل والمرأة و كيفية إدارة العلاقة وتحديد الواجبات والحقوق، هذه هى أول أسس الحضارة الغربية والسبب الرئيسي فى النجاح، فتحديد الأدوار يجعل الشخص يعرف أن له حدود ويطالب بحقوقه حتى فى أدق التفاصيل للحياة. ومع الوقت تطور الوضع  وتم وضع العديد من العهود والمواثيق التى تراعى الحقوق المدنية مثل حقوق الإنسان وما بعدها من معاهدات فى محاولة لمساعدة الضعيف مثل الفقير والمرأة والطفل؛ ولكن السؤال يطرح نفسه لماذا كل هذا الاهتمام بالمرأة بالذات فى تحديد مواثيق خاصة !؟

      ذلك لأن المرأة هى رمانة الميزان فى إدارة الأسرة وبالتالي إدارة الدولة فإذا أخذت المرأة مكانها وحقها وأدركت واجباتها أدى ذلك إلى وجود دولة لها أداء مختلف على غرار الدول الأوربية. فعندما نعرف تاريخ أوروبا نعرف أن هناك خط للتطور والحضارة الحديثة يمشى متوازن مع حصول المرأة على حقوقها مما أدى إلى هذا الصرح من الحضارة التى نحن فى مجتمعاتنا نجنى ثمارها من خلال استخدامنا لمنتجات هذه الحضارة.

      فى النهاية أى أسرة أى مجتمع يريد أن يسهم فى تاريخ الإنسانية لابد أن يحدد عقد اجتماعى يحدد فيه كل الحقوق والواجبات بشكل واضح وخاصة للمرأة وهو بذلك يسرع فى دخول الحضارة.

عقول راقية

الأستاذة ابتهال سامي
حاجه المجتمع إلى السلطة (( العقد الاجتماعي))
ا ابتهال سامي

      نهض ثلاثة في عصر أوروبا الحديث في تأسيس مفهوم العقد الاجتماعي وهم: توماس هوبز وجان جاك روسو وجون لوك كان السؤال الذي انطلق منه هؤلاء هو: ماهي حاجة المجتمع إلى السلطة؟
      انطلق هوبز من أن الإنسان شرير، ذئب وأن هذه الحالة الذئبية تجعل البشر في صراع دائم حيث الكل ضد الكل والكل يعتدي على الكل ولأن الأمر على هذا النحو فلا بد من قيام سلطة فوق الجميع تتمتع بقوة ردع للشر الإنساني وتكون مطلقة القوة والسيطرة والحق في إصدار القوانين وتنفيذها.
      أما جون لوك فقد رأى أن الإنسان بطبيعته خير وليس شريراً وأن الملكية هي من الحقوق الطبيعية الخيرة والحرية هي الأخرى ماهية إنسانية فضلاً عن أن الإنسان يمتلك حق الحياة ولكن هذه الحقوق لا يمكن الحفاظ عليها دون عقد اجتماعي يقوم بين الناس ولكن في إنتاج سلطتهم وليس في قيام السلطة المطلقة كما هو الحال عند مواطنه هوبز.
      فيما رأى جان جاك روسو أن الإنسان لا هو بالخير ولا هو بالشرير بل إن الملكية هي أصل الشر والبشر لا يستطيعون العيش إلا في مجتمع، هذا المجتمع يحتاج إلى سلطة تحافظ على حقوقه ولكن عن طريق الإرادة الجمعية فإرادة الجماعة هي التي تختار عبر العقد الاجتماعي.
      هذه النظريه قد حققت فوائد جمة للمجتمع الأوروبي لأنها وقفت في وجه نظام الحكم المطلق وأيّدت حقوق الشعوب ووضعت حداً لطغيان الطبقة الحاكمة وطبقه النبلاء. ويبقى لها الفضل في تقديم أساس أيديولوجي لقيام السلطة والقضاء على الاستبداد واعتبار رضا المحكومين أساساً لخضوع هذه السلطة أن الدولة هي حتمية تاريخية لتطور المجتمع من حيث أن الدولة هي أُسرة تطورت بشكل تدريجي لبناء المجتمع وتوسعت بعد ذلك لتظهر القبائل فالعشائر والقري والمدن التي تطورت بفضل الحاجة لتعطى في النهاية شكلاً وتنظيماً يسمى الدولة.. وكما أن العائلة تعتبر البداية الأولى لظهور الحكومة.
      كما أن هناك تطور تاريخي آخر هو أن الدولة ظاهرة اجتماعية لا يمكن رد نشأتها إلى عامل واحد وإنما يجب الاعتماد على عده عوامل مثل القوة والدهاء والدين والحكمة والمال والغلبة والشعور بالمصلحه المشتركة التي تربط أفراد الجماعة بعضهم البعض ومع أن هذه النظريات تتصف بالعمومية فإنها تبقى الأقرب إلى الصواب حيث أسهمت بوضع أسس وأشكال مختلفة لنظم الحكم والسياسة وزودت الفكر السياسي بِتاريخ عميق إذ أصبحت مصدراً أساسياً لجميع المهتمين بقضايا السياسة وأنماط الحكومات وتطورها.
      والحقيقه أن الديمقراطية الراهنة ليست إلا شكلاً متطوراً لفكرة العقد الاجتماعي الروسوية في القرن الثامن عشر حيث يختار البشر سلطتهم بوصفهم مواطنين أحراراً.



المهندسة مني توفيق
المرأة و السلطة
 م مني توفيق

      نتنازل عن جزء من حريتنا مقابل حمايتنا، فقد نخضع لقوانين لا ترضينا مقابل أن نكون مواطنين ننتمى لدولة و نظام يؤمن لنا الحد الأدنى من حماية أرواحنا و حرياتنا، هذا ما نتمناه و نطمح إليه و لكن للأسف نلتزم بالقوانين و ندفع ضرائبنا و عندما يتعلق الأمر بحقوقنا فلا عين ترى و لا أذن تسمع و لا حياة لمن تنادى. فهل تحمينا الدولة بأجهزتها المختلفة؟
      كمواطنات مصريات أصبحنا مستباحات و منتهكات، و هذا لا يحدث في الخفاء بل في العلن . تعلم به دول العالم المختلفة و التي تحذر رعاياها الإناث من التحرش إن أردن زيارة مصر. فهل هذا خافى على الجهات الأمنية المصرية ؟ و لماذا التخاذل؟ أعرف صديقات أجنبيات مقيمات في مصر و يتعرضن للتحرش! فما هي الصورة التي نقدمها للعالم؟ و بأى حق نريد تنشيط السياحة؟ 
      في العالم الغربى المرأة إنسان له كيان مساوى للرجل ، حقوق و واجبات ، تعطى و تأخذ ، و نحن نعطى و نأخذ و لكننا نأخذ الخيانة الشرعية التي يسمونها تعدد زوجات، نأخذ ضرب زوجات، نأخذ تحرش، نأخذ أوهام تفوق ذكورية، نأخذ نصف ميراث الذكر و شهادتنا بنصف شهادته. فهل ندفع نصف ضرائبه؟ هل ندفع النصف عندما نشترى منتجات أو نستفيد بخدمات؟ 
      الطبيعة اختارت الأنثى لتحملها مسئولية حمل الجنين في احشائها تسعة أشهر فهى تتحمل العبء البيولوجى وحدها و أخيرا يسرق زوجها النسب و تكتب باسمه الأطفال دون وجه حق. عكس ما يحدث في دول أخرى بأن يتم ذلك بالاتفاق، و قد يكتب الطفل باسم والده أو والدته.  ندفع ضرائب كما يدفع ذكور ذلك الوطن ، ندرس و نعمل و نكافح ثم نتعرض لسخافات المتنطعين ليلا و نهارا فهل أخذت المرأة المصرية حقها كما أدت  واجبها؟ أصبحت المرأة رخيصة مستباحة من كل من تسول له نفسه انتهاكها. و العجيب في الأمر أننا نجد نساءا تدافع عن هكذا سلوكيات بحجة أن المرأة لا ترتدى ملابس محتشمة ، لا أراهن نساءا بل ذكورا في أجساد نساء. كما أن أم ذلك النطع مدانة لا محالة فعلى الأغلب كانت تفرق بينه و بين أخواته الإناث و تقفز الغيرة و الحقد و الغل من أعينهن عندما يروا امرأة جميلة. نحن لم نفرض عليكن نقابا و لا حجاب فموتوا بغيظكن.
      في كل مجتمع نجد المتنطعين و محتقرى النساء و لكن في مصر نسبتهم أصبحت عالية جدا، و هذا نتيجة للتدين الزائف و سيطرة رجال الدين و غسلهم أدمغة الشباب اليائس من الحياة ، الذى فشل في كل شيء و يشعر بكيانه فقط عندما يثير اشمئزاز فتاة ، يشعر أنه موجود!
      ليست كل النساء ضحايا, الحرائر فقط. أما الجوارى و محبى العبودية من النساء فلا عزاء لهن. أنا أؤمن بالحرية فكل امرأة لها الحق أن تكون جارية إن أرادت ، المشكلة أن ذلك أصبح توجه جماعى،  أصبحت الجارية مباركة في النساء و الحرة ملعونة بين النساء.



د حسن يوسف
العقد الاجتماعى والاغتراب
د حسن يوسف

      يمكن القول أن كلمة الاغتراب alienation سواء بجانبها الايجابي أو السلبي وردت عند جان جاك روسو ... بل ان هيجل الفيلسوف الالمانى الشهير ما كان له أن يتناول مشكلة الاغتراب في كتاباته سواء في الكتابات اللاهوتية الأولى أو في مؤلفه الشهير الفينومينولوجيا لولا انه قرأ جان جاك روسو (العقد الاجتماعي) ففي هذا الكتاب وأثناء مناقشته لجرتيموس وبعد أن ينبه إلى ما في كلمة الاغتراب من لبس ، نراه يقول : إن الاغتراب معناه التسليم أو البيع .. ․ فالإنسان الذي يجعل من نفسه عبدا لآخر إنسان لا يسلم نفسه ، وإنما هو بالأحرى يبيع نفسه ، من اجل بقائه على الأقل ․
      نلاحظ فى هذا التعريف الجانبين الايجابي والسلبي للاغتراب ․ فان يسلم الإنسان ذاته إلى الكل ،وان يضحى بها في سبيل هدف نبيل وكبير ، كقيام المجتمع أو دفاعا عن الوطن ․ ․ الخ ، فهذا اغتراب ايجابي ․ أما أن ينظر الإنسان إلى ذاته كما لو كانت شيئا أو سلعة يطرحها للبيع فى سوق الحياة ، فهذا اغتراب سلبى ، أو هو على الأصح يفقد الإنسان فيه ومن خلاله ذاته ووجوده الشرعى الأصيل ․
      ولم يكن فى وسع روسو أن يتوصل إلى صياعة هذا التعريف ، الذى يشير ربما للمرة الأولى إلى الدلالة المزدوجة لكلمة الاغتراب ، لو لم يكن قد خبر وعانى فى زمانه ، مشكلة الاغتراب بأبعادها وجوانبها المتداخلة والمتعارضة ․ فالمعروف ان لروسو تجربة ذاتية تكشف هى نفسها عن موقف نقدى كان قد اتخذه إزاء عصره ومجتمعه وما كان يشيع فيهما من أفكار وقيم زائفة ، هذا الموقف الذى يظهر فيه روسو أحيانا ، وكأنه ذلك الغريب فى وطنه ․
      والدولة بما لها من قوة وفعالية تتيح للفرد أن ينمى ما يكمن فى داخله من بذور الخير ، فبدلا من أن تكون رقيبا يمنع أو يقمع نمو الفرد ، تكون هى أداته الوحيدة فى تحقيق هذا النمو ․ على هذا النحو تغدو الدولة بالنسبة إلى الفرد كيانا أساسيا أو مجالا حيويا لا غنى عنه ․ ولكن لكى يعلو الفرد عما في المجتمع من شقاق ونزاع ، ويعيش فى جو السلام الروحي الذي توفره الدولة ، لابد ان يتنازل تنازلا كاملا عن كافة حقوقه وقواه ، ويسلمها إلى الجماعة ككل ․ هذا التنازل الكامل عن الحقوق الطبيعية هو أساس العقد الاجتماعي الذى يربط بين أفراده ، وهو ما يطلق عليه روسو الاغتراب الشامل ․ (انظر :د․ محمود رجب – الاغتراب )



د بهي الدين
أخلاقيات العمل في ظل العقد الاجتماعي
د بهي الدين

      أخلاقيات العمل في ظل العقد الاجتماعي هو جملة المحددات والقيود التي يرتضيها المجتمع كمظلة حاكمة للمتعايشين على أرض الوطن، وهي على الأرجح ترجمة لإملاءات سماوية أتت عبر الديانات، والبعض الآخر جاء بعد تتويج الفهم البشري لمعنى الإنسانية والآدمية.

      بداية، هناك تباين في المعني بين لفظي "أخلاق" و "الأخلاقيات" بالرغم من تماثل الاشتقاق اللغوي. فبينما يعني لفظ الأخلاق جملة القيود المطلقة التي يقررها الشرع أو العرف الإنساني على السلوك البشري، نجد أن مسمى "الأخلاقيات" هو شكل من أشكال القيود التطبيقية التي تعنى بالمبادئ الأخلاقية والمشكلات الأخلاقية والأدبية التي تنشأ في أي بيئة مجتمعية. يسري هذا المفهوم على كافة جوانب إدارة الأعمال ذات الصلة بسلوك الأفراد ومنظمات الأعمال ككل، فالأخلاق التطبيقية تعني التعامل مع المسائل الأخلاقية في العديد من المجالات مثل المجالات الطبية والتقنية والقانونية وأخلاقيات الأعمال. ومنذ بداية القرن الواحد والعشرين، يتنامى الطلب على إضفاء الصفة الأخلاقية، بل والقيود الأخلاقية على كافة مجالات الأنشطة البشرية سواء كانت تجارية أو ممارسات سياسية متضمنة حقوق الإنسان.

      وفي الوقت نفسه، يتزايد الضغط على الصناعة لتحسين أخلاقيات الأعمال التجارية من خلال مبادرات القطاع العام وقوانينه الجديدة مثل ارتفاع الضرائب على الطرق جراء السيارات ذات الانبعاثات العالية (كمثال شائع في الدول الصناعية). ولا يمكن تجاهل الواقع بغياب منظومة الأخلاق في كثير من الأعمال والهدف بالطبع هو تحقيق مكاسب قصيرة الأجل من خلال العمل بطريقة غير أخلاقية من ناحية، وتجنب القيود الأخلاقية لتقليص الجودة ومن ثم التكلفة من ناحية اخري، ولكن مثل هذه السلوكيات تميل إلى الانحسار وربما اغرقت معها سمعة المؤسسة.

      تجدر الإشارة إلى أن أخلاقيات الأعمال هي مقياس معياري ذات محددات وصفية، ويؤخذ في الاعتبار أيضا الأسلوب الوصفي لدي تسمية محددات الأخلاق. بعدما ترسخت قيمة الأخلاق ومفهوم المواثيق الأخلاقية، انتشر في العقود الثلاثة الأخيرة تبني معظم الشركات لمفهوم الرؤية والرسالة.

      جاءت الرؤية لتؤكد على فهم الكيان المؤسسي للأخلاق المهنية، وبذات الوقت راحت الرسالة تؤكد للمجتمع أن الكيان المؤسسي يتفهم معنى "العقد الاجتماعي".

كاتب وكتاب

د سمير فاضل
د سمير فاضل

ماركو بولو ة
1254- 1325
      عزيزي القاريء في هذا العدد والاعداد القادمة من مجلتنا الغراء سوف نوالي نشر الأفكار والمفكرين الذين ساهموا في صناعة عصر النهضة في أوربا ، وما أحوجنا هنا نحن في الشرق أن نستحضر كل أفكار مفكرينا للخروج من دائرة التخلف إلي رحاب التقدم .
بندأ هذه السلسلة بفكر ماركو بولو والذي كان أشهر رحالة أوربي قبل كريستوفر كولمبوس في بدايات أوربا الحديثة ، فهو أسبق الرواد الذين عبروا أسيا الوسطي واستقروا في الصين ، وقد ترك لنا تجربته مدونة ، أملاها في سجله بميناء جنوا بعد عودته من أسفاره علي رفيق سجنه روستكان ، فالهبت خيال الأوربيين وحفزتهم إلي أرتياد أقطار العالم المجهولة شرقا وغربا ، وقد كانت يومئذ ثلاثة أرباع العالم .
في العالم القديم لم يكن سكان البحر الأبيض المتوسط يجهلون تماما وجود الصين ، فهناك وثائق صينية ويونانية ولا تينية تدل علي وجود علاقات تجارية طفيفة بين بعض دول البحر المتوسط والصين ومع ذلك فأقدم هذه النصوص لا يتجاوز القرن الأول الميلادي .
وقد كان اليونان يعرفون الصينين باسم " الصير" غالبا من أسم " الحرير " باللغات القديمة أو ربما كان أسم الحرير علي أسم " الصير " . وجغرافيو مدرسة الاسكندرية في القرنين الأول والثاني الميلادي يحدثوننا عن نشاط التجار المصريين القوي في العصرين البطلمي والروماني بين مواني البحر المتوسط والنوبة والبحر الأحمر وسيلان .
وكانت أساطير الرومان تقول أن الصينين لا يعرفون الحرب ولا السلاح وأن الفرد منهم يعمر مائتي عام .
في الحروب الصليبية اكتشف الأوربيون أن الشرق كان أرقي بكثير من الغرب ، وتدفق أمراء الاقطاع علي سورية وفلسطين ومصر وبيزنطة لنهب ما يحتلونه من بلاد ، ونشأت بينهم أسطورة " كنوز الشرق " .
في فترة الحروب الصليبية تسللت إلي أوربا بضائع الشرق الأدني ، وتأثرت عادات الفرسان الفرنسيين والايطاليين وملابسهم بعادات الشرقيين وملابسهم ، ولطول إقامة ماركو بولو وأسرته في القسطنطينية وشبه جزيرة القرم تحولوا الي شرقيين .
لقد كان المستفيد الأكبر من الحروب الصليبية هي المدن الإيطالية ولا سيما موانيء البندقية وجنوا وبيزا .
وبدأ الصراع الرهيب بين البندقية وجنوا للسيطرة علي البحر المتوسط وطرق التجارة مع الشرق ، وكانت النقطة الحاسمة بين البندقية وجنوا هي الحملة الصليبية الرابعة عام 1204 وهي الحملة التي نهبت كنوز وغنائم بغير حصر من الذهب والفضة والاحجار الكريمة والجواهر النفيسة والحرير والفراء ، واستولت البندقية وحدها علي ثلاثة أثمان الاراضي التي استولي عليها الصليبيون ، وحاولت أن تحتكر الربا في الامبراطورية الرومانية الجديدة .
كانت أسرة ماركو بولو من تجار البندقية ، ويحدثنا عن الشرق الإسلامي ويقول أن الشام كانت مجزأة إلي إمارات أو دويلات عربية صغيرة بعضها تحت حكم الصليبين ، وكانت آسيا تحت حكم السلاجقة ، أما في بغداد فقد كانت الخلافة العباسية مجرد ديكور في أيدي الأمراء والسلاطين الترك أو الكرد والوزراء الفرس ، وكان الفاطميون في مصر لا يعترفون بدولة بني العباس .
في المدن الكبري مثل دمشق وحلب والموصول وتبريز وخوارزم وبخاري وسمرقند وهراة ، تكونت طبقة ضخمة من الحرفيين الذين كان التجار يستغلونهم بلا رحمة مما أشاع الفتن والقلاقل في هذه المناطق ، واختل الأمن بسبب القلق الاقتصادي والقلق الاجتماعي وفتن الصناع وثورات العبيد ، فاختلت طرق التجارة مع الشرق الأقصي ، مما جعل التجار يعملون علي ظهور قوة ضاربة موحدة تؤمن لهم طريق القوافل ، وفي هذه الظروف قاد جنكيزخان جحافل المغول عبر آسيا وأوربا الشرقية .
كان جيش المغول عبارة عن حشود ضخمة من الفرسان سريعي الحركة ، ينقضون بسرعة ويختفون بسرعة ويثيرون الرعب بحرق المدن والفتك بالتجمعات البشرية ، وكانوا يستخدمون أسري البلاد المفتوحة جنودا في جيوشهم ويضعونهم في الصفوف الأمامية ، وفي أقل من 100 عام أمتدت أمبراطوريتهم من الصين إلي البحر المتوسط وسيطروا علي الشرق الأدني والأقصي ، وفتحوا طريق التجارة من المحيط الهادي وحتي البحر المتوسط وهكذا يقول لنا ماركو بولوا أن المغول كانت صناعة ومطلب هام من كبار التجار والاقطاعيين للسيطرة وتحقيق الاستقرار لطرق التجارة بين العالم القديم والحديث القادم إلينا من عمق التاريخ .

اﺗﺼﻞ ﺑﻨﺎ

رأيك يهمنا

"Show Menu"