corner

العدد التاسع - الاصولية الدينية

الأصدقاء والرفاق الأعزاء...

تحاول مقالات العدد التاسع من مجلة الأنسان أن تكشف عن جوانب مهمة من ظاهرة الأصولية الإسلامية، حيث يقدم لنا الدكتور/ خيري فرجاني في مقالته تحديداً لمفهوم الأصولية الإسلامية وموضحاً أهم سماتها وأهدافها، ويعرض لنا الأستاذ الدكتور / عماد عبد الرازق في مقالته جذور الأصولية في الفكر العربي الإسلامي، ويكشف المهندس / محمد البدري في مقالته عن الأصولية الإسلامية ودعاوى التجديد كيف أن هذا التجديد يعني في جوهره وحقيقته نوعاً من النكوص والارتداد للجذور القبلية الأولى، ويبين لنا الدكتور / سمير فاضل كيف تمكنت الأصولية الإسلامية من اختراق النظام التعليمي في مصر والهيمنة عليه. وإذا كنا نعتبر أن الإرهاب هو أعلى مراحل الأصولية الدينية؛ فأن الأستاذ الدكتور / جهاد عودة ينبهنا في مقالته إلى المخاطر الناجمة عن الذكاء الاصطناعي في الإرهاب، ويقدم لنا الدكتور/ عبدالله شلبي في محاولة لفهم ما جرى في مصر والعالم العربي بشأن صعود الأصولية الإسلامية، يقدم رصداً للبدايات المتمثلة في المظاهر العامة للعودة للأصول ودعاوى الأسلمة التي خبرتها المجتمعات العربية والإسلامية منذ بداية العقد السابع من القرن العشرين. وتطرح المهندسة / منال محمد رؤيتها للمدلولات الدينية للألوان، ويتضمن هذا العدد رؤيتين شعريتين على صلة وثيقة بقضيته، الأصولية الإسلامية، حيث يقدم المهندس الشاعر / خالد النشوقاتي أيام الانسان الأولى ويقدم لنا الأستاذ/ حسن إسماعيل ابن ضال مؤمن .. وابن بكر ملحد.
الأصدقاء والرفاق الأعزاء...
الحق أقول لكم، وعلى نحو ما ذكرنا قبلاً في الاعداد السابقة لمجلة الانسان أنكم مرآتنا التي نرى فيها أنفسنا، وكل ما تقدمونه من نقد وملاحظات ومداخلات يسهم بكل صدق في تصويب مسار مجلتكم مجلة الانسان، كما ان المجلة يسعدها أن تقدموا اسهاماتكم حول القضايا التي تتناولها في الاعداد القادمة.. تقبلوا تحياتي وشكري.
دكتور عبدالله شلبي.

إفتتاحية العدد

د. عبد الله شلبى:
مدير تحرير مجلة الانسان.
دكتور عبدالله شلبي.

الأصولية الإسلامية: محاولة لضبط المفهوم.

      سعت البحوث والدراسات السابقة التي تصدت لظاهرة انبعاث الحركات الإسلامية التي شهدها العالم منذ بداية الربع الأخير من القرن العشرين إلى الاستعانة بالعديد من المصطلحات والمفاهيم استخدمتها كفئات تحليلية لتوصف هذه الظاهرة وتجلياتها، ولذلك حفلت هذه البحوث والدراسات بصيغ مثل: الإحياء الإسلامي Islamic Revival، والانبعاث الإسلامي Islamic Resurgence، والتجديد الإسلامي Islamic Renewal، والصحوة واليقظة الإسلامية Awakening، والتمامية أو الاتمامية للإشارة إلى تبني القول بتمام نظام الدين ليشمل الدين والمجتمع معاً، والأصولية الإسلامية Islamic Fundamentalism، والأصولية الإسلامية الجديدة Neo – Islamic Fundamentalism كما أشارت بحوث ودراسات أخرى إلى عودة الإسلام Return of Islam، والإسلام المناضل Militant Islam ، والإسلام السياسي Political Islam، والبديل أو الخيار الإسلامي Islamic Alternative، وإسلام الجماهير أو المحكومين في مقابل إسلام الصفوة أو الحكام، كما شاعت مصطلحات العنف الديني والتطرف الديني Extremism – Violence.
      وفي تقديري، أن جانباً كبيراً من هذه المفاهيم من شأنه أن يضفي نوعاً من التعتيم على جوهر الظاهرة، ذلك أن وصف الظاهرة الإسلامية المعاصرة بأنها يقظة أو أحياء أو عودة للإسلام؛ يوحي بأن الإسلام كان نائماً فتنبه أو ميتاً فاسترجع الحياة، أو أن المسلمين اغتربوا عن دينهم حيناً من الدهر ثم تنبهوا فعادوا إليه. إن تعبيرات الأحياء، اليقظة، الانبعاث، الصحوة هي تعبيرات مجازية، كما أننا نكون معها بحاجة إلى تحديد دقيق لشروط الأحياء والتجديد والانبعاث والنهضة ... حتى يمكننا أن نقيس عليها الفكريات والممارسات التي شكلت مجمل الظاهرة الإسلامية المعاصرة لنقرر بعدها ما إذا كانت تعتبر نهضة وأحياء أم لا؟، وما إذا كانت هذه المفاهيم تصلح بالفعل كفئات تحليلية لوصف هذه الظاهرة أم لا؟، كما أننا نجد أن مفهوم الأحياء أو الانبعاث الإسلامي، على الرغم من تعبير أحياء وانبعاث Revival – Resurgence، إلا أنه في الحقيقة ينطوي على نزعة نكوصية وانتكاسية تسعى في محصلتها النهائية إلى استبعاد الثقافات المغايرة كافة والعودة إلى الأصول الإسلامية وتوطيد الصلة بالماضي إلى الحد الذي يوحي بالرغبة في تأسيس جيتو Getto ثقافي إسلامي. أيضاً، نجد أن تعبير البديل الإسلامي تعبير غير ملائم لوصف ما تقدمه الجماعات الإسلامية من صياغات ومشروعات لإعادة تشكيل المجتمع والدولة إذ أن جميع البدائل الممكنة والتي تتباين مضامينها الاقتصادية / الاجتماعية والسياسية يمكن أن ترتدي ثياباً إسلامية، ومن ثم نكون بصدد بدائل إسلامية متعددة بتعدد تأويلات الإسلام والتي يمكن النظر إليها باعتبارها أشكال تعبير ديني عن تعدد القوى الاجتماعية المتصارعة واختلاف مواقعها الطبقية.
      إن الأساس في الظاهرة الإسلامية التي أخذت في الصعود والتنامي منذ بداية الربع الأخير من القرن العشرين؛ هو الدعوة إلى معالجة المسائل المعاصرة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.. كافة، عبر سفرٍ تراجعي في التاريخ من خلال العودة إلى مصادر وأصول الإسلام الخالصة من كل التحريفات والتأويلات، والعودة إلى ما أنتجه السلف العدول وخلفوه لنا من قيم وأفكار وممارسات ونظم، ولذلك يعتبر مفهوم الأصولية الإسلامية Islamic Fundamentalism تعبيرأً ملائماً لوصف هذه الظاهرة؛ إذ أنه، وعلى وجه الدقة صدى لمضمون الظاهرة الموصوفة التي نحن بصددها، فالمقصود هو العودة إلى أصول الإيمان والاعتقاد، والبحث عن أسس المجتمع وقواعد الحكم وتنظيم حياة البشر كافة داخل المعتقد والنص الديني، واعتبار الرجوع إلى الأصول هو الطريق لأي مستقبل ممكن، والإلحاح على أن تكون التغييرات الاجتماعية محكومة بما انحدر إلينا من الأسلاف، واعتبار أن المجتمع الإنساني محكوم بالقصد الإلهي، مما يدفع بالضرورة إلى إقامة سلطان الله على الأرض بعد أن اغتصبه أدعياء الربوبية من البشر. والدين بعامة، والإسلام على وجه الخصوص وفقاً لهذا الفهم الأصولي، ينشغل بالأساس بتنظيم حياة البشر الاقتصادية والسياسية والاجتماعية كافة.
      وقد يثار اعتراض على استخدام مصطلح الأصولية Fundamentalism لوصف الظاهرة الإسلامية المعاصرة بزعم أن المصطلح ينقل إلى العالم الإسلامي أدوات فكرية تمت صياغتها لوصف لحظات وظواهر خاصة في تاريخ المسيحية الكاثوليكية والبروتستانتية ومن ثم ليس ثمة مبرر لمثل هذا النقل الذي يحاول أن يفرض تصنيفاً ومفهوماً مسيحياً غربياً على الإسلام. إلا أن هذا الاعتراض ينهض على أساس الاعتقاد بوجود خصوصيات ينفرد بها الإسلام دون المسيحية، وكذلك الزعم بأن المجتمعات الإسلامية لا تخضع لقوانين الحركة الاجتماعية المماثلة التي تحكم تطور المجتمعات الأخرى وهذا الاعتراض مردود عليه بالبحث عن التماثل القائم بين الأصولية المسيحية والأصولية الإسلامية، وغيرهما من الأصوليات الدينية المعاصرة، إن الأساس في كل منها هو العودة إلى أصول الإيمان والمعتقد الديني لتصبح إطاراً ناظماً وضابطاً وموجهاً لحياة البشر داخل المجتمع الإنساني، وذلك عن طريق الالتزام بالتفسيرات النصية والحرفية للنص الديني ورفض تأويله بأعمال العقل في النص، وإحالة قضايا البشر كافة إلى الدين، والزعم بأن هذه القضايا بكل تنوعها ذات أساس ديني، والانحياز إلى القواعد والممارسات التي وضعها الأسلاف، هذا هو، في تقديري، ما يشكل مضمون الأصولية الدينية، نجده في الأصولية الإسلامية وفي غيرها من الأصوليات الدينية الأخرى، وإن كان ثمة خصوصية فهي مردودة إلى أن الظاهرة الأصولية تتشكل بتشكل الدين والثقافة السائدة داخل كل مجتمع وكل دين على حدة.
      ولكن لما كانت دعاوي العودة عبر الزمان هي دعاوي مستحيلة، فإننا يجب أن نبحث عن المصالح الكامنة وراء هذه الدعاوي ليس في مجال الدين وإنما في الظرف الاجتماعي الراهن الذي يحتاج إلى استخدام الشكل الديني في تحركه وتفاعلاته، وبالتالي نتجه مباشرة إلى بحث مجمل الشروط المادية التي أفرزت دعاوي العودة إلى الأصول، يعني هذا أننا حين نتصدى لدراسة ظاهرة، الأصولية الدينية إسلامية كانت و مسيحية ...؛ نكون بصدد موقف اجتماعي وسياسي بالضرورة ولكنه مصحوب بحالة من التعبئة السياسية المكثفة باسم الدين على المستويين الفكري والنفسي، كما أننا نكون بصدد حركات اجتماعية سياسية Social Political Movements ذات شكل ديني أصولي، وهذه الحركة قد تعم المجتمع بأسره فتتخلل طبقاته وشرائحه الاجتماعية كافة، كما أنها قد تكون تعبيراً عن طبقة اجتماعية بعينها، أو تجسيداً لتحالف طبقات محددة داخل المجتمع وجميعها يعتمد الدين، باعتباره صيغة من صيغ الوعي الاجتماعي؛ إطاراً أيديولوجياً ومرجعياً لها، ولذلك تحوي الحركة داخلها العديد من التيارات والجماعات المنظمة وغير المنظمة، السرية وتلك التي تعمل في العلن، الرافضة للنظام القائم بكليته والساعية لتغييره جذرياً، وتلك التي تقبل النظام وتعمل من خلاله وإن كانت تقر بعدم مشروعيته وتضمر النية لقلبه وتغييره، وجميعها يمكن أن تتباين برامجها وأساليبها في العمل، كما يمكن أن تتصارع حول هذه البرامج والممارسات الآنية، ولكنها على المستوى الإستراتيجي، يجمعها وحدة الهدف الأقصى، وهو إقامة مجتمع ودولة على أساس أصولي ديني. الأساس إذن في الأصولية الدينية هو كونها حركة اجتماعية سياسية ذات شكل ديني، لها جذورها الاجتماعية التي تحدد تداعيتها السياسية، وهذه الحركة تتخلق وتنمو وتتطور داخل المجتمع وتحاول تغييره في ظل شروط مادية وتاريخية محددة.
مدير التحرير.
دكتور / عبدالله شلبي.



image

الدكتور / خيري فرجاني.
اﻷصولية اﻹسلامية.
(المفهوم، السمات، الأهداف).
الدكتور / خيري فرجاني.

      تعتبر اﻷصولية الدينية من المفاهيم اﻷكثر شيوعاً في الوقت الراهن، ويقصد بها - في الغرب - الرؤى المذهبية المتعصبة في الاعتقادات المسيحية، فيما يظل مصطلح الأصولية في الأدبيات العربية غامضاً وملتبساً. حيث إن، أدبيات التراث العربي تصف المتخصص في أصول الفقه أو الحديث أو العقيدة، علماء الأصول. بينما، يستعمل المصطلح اﻵن للدلالة على التعصب والتمركز حول الذات والنظرة الماضوية التي تجنح دوما نحو العنف والمرتبطة بتأويلات متشددة وخاطئة، وكذلك يقصد باﻹصولية أيضا تلك الرؤية الطهرية التي تزعم قداسة فكرتها ومبادئها وأهدافها. وظاهرة اﻷصولية بمفهومها الغربي الحديث ذات النزعة الماضوية المتشددة، هي ظاهرة معاصرة نسبيا، ظهرت مع ظهور ما يعرف بجماعات الإسلام السياسي (اﻹسلاموية)، في آواخر عشرينيات القرن الماضي، وبالتحديد عام 1928 مع نشأة جماعة الإخوان المسلمين.
     وتمثل اﻷصولية الاسلامية بهذا المفهوم الراديكالي أزمة - بنوية - فكرية باعتبارها رؤية للعالم، قبل أن تكون سلوكاً مجتمعياً، وهو ما يفسر لنا كون التطرف الديني جزءاً من النسق المعرفي في الفكر العربي واﻹسلامي، حيث يمتلك رؤية مقدسة واحدية المصدر والمرجعية، وواحدية التفسير. هذه الرؤية الاحادية استطاعت الباس الدين حلة العنف الدموي، الذي يهدف إلى تدمير الذات وتدمير اﻵخر تحت مزاعم الجهاد المقدس، بحيث أصبحت اﻷصولية الدينية أكثر التوجهات عنفاً وإرهاباً. وكلما توسعت وانتشرت اﻷصولية الدينية وجدت النخب الدينية - الرسمية وغير الرسمية - نفسها في موضع اجتماعي وسياسي ومعرفي شديد الصعوبة، ذلك أن اﻷصولي الديني يميل دائما للشعبوية والتسييس المفرط للدين من جهة، وميله للصدام من جهة ثانية، وتبني فكرة حقه الأوحد في تمثيل العقيدة والدين من جهة ثالثة، مما يجعل من الوسطية والاعتدال والسماحة الدينية مفاهيم مبهمة وغامضة، تتقدم بصعوبة في المجتمعات في ظل سيطرة الفكر اﻷصولي.
     ووفقاً لهذا الفهم والتحديد، تدرج اﻷصولية الدينية من مجرد رؤية فكرية أو نمط معين من السلوك، إلى منظمات وهيئات ونخب تنتج وتستعيد جزءاً من تراثنا المأزوم، وفي نفس الوقت تتكيف مع آليات الحداثة التي تخدم أهدافها اﻹرهابية، حيث تستخدم أحدث التقنيات في التفجيرات والاتصالات، مما أحدث ضرر بالغ بالدين أولاً وبالمجتمعات ثانياً وبالأفراد ثالثاً، فهي لا تكتفي برفض المؤسسات الدينية التقليدية وإنما تكفر العاملين بها وتوصم هذه المؤسسات وهؤلاء العلماء بالخروج عن الدين، وتجعل من العقيدة محوراً للصراع، كما أنها تحتكر السلطة الرمزية التي تمثلها الدعوة الدينية، جاعلة من نفسها المصدر الوحيد للشرعية الدينية، مع تهميش واضح وتجاوز كامل لحق اﻷمة في إيجاد صيغ متعددة للتدين من خلال المرجعية اﻹسلامية، فاﻷصولية بهذا النمط من التفكير تعتبر مدرسة فكرية رافضة للمسار الطبيعي للتاريخ.



الأستاذ الدكتور / عماد عبد الرازق.
رئيس قسم الفلسفة كلية الآداب جامعة بني سويف.
جذور الأصولية في الفكر العربي الإسلامي.
الأستاذ الدكتور / عماد عبد الرازق.

     إن مصطلح الأصولية (Fundamentalism) من المصطلحات التي أثارت الكثير من المشكلات والإشكاليات. واهتم به المفكرون والفلاسفة على اختلاف مشاربهم ومذاهبهم. ويعني في جوهره مصطلح فكري يدل على التمسك الحرفي بنصوص الدين. كما يشير إلى نظرة متكاملة للحياة جوانبها السياسية والاقتصادية والثقافية كافة، وهي نظرة تنبع عن قناعة متأصلة عن طريق الإيمان بفكرة، وهذه القناعات تكون في الغالب تصوراً دينياً أو عقيدة دينية. وفي هذا السياق نشير إلى أن مصطلح الأصولية ظهرت بوادره في الفكر العربي الإسلامي منذ القرن السابع الميلادي بسبب اتساع رقعة الدولة العربية الإسلامية في عهد الخليفة عمر بن الخطاب والتي ضمت العراق وجزء من بلاد فارس وغيرها. ومن هنا دخلت في ولايتها وعهدها أقوام مختلفين لكل منهم تراثه الثقافي وعاداته وأعرافه. ونلفت الانتباه إلى حقيقة مهمة وهي أن الأصولية ارتبطت منذ بدايتها الأولى بالتقوى والاجتهاد، فالإيمان معرفة وطاعة، والمعرفة هي الأصل والطاعة هي الفرع. وانطوت الأصولية كذلك على توتر دائم بين العقل والنقل. ولم يبقى الاجتهاد محصوراً في مجال التشريع بل تعداه إلى مسائل فكرية واعتقاديه، فظهر مجتهدون في الفكر والعقيدة أمثال الحسن البصري وواصل بن عطاء. وبسبب انفتاح الثقافة العربية الإسلامية على الثقافات الأخرى ولاسيما الفلسفة الهلينية عامة والمنطق الأرسطي خاصة، ظهر مصطلح الأصول وأهل الأصول(الأصوليين) بوضوح عند الشهرستاني في الملل والنحل. ويجب أن نوضح هنا أن هذا الاختلاف في العقائد لم يخل من توظيف سياسي مقترن بالتعارض والنزاعات السياسية والتي وسمت مرحلة طويلة من التاريخ العربي الإسلامي. بيد أن علم الأصول تأسس بصفته علما على يد الإمام الشافعي وذلك في رسالته الشهيرة(رسالة في الأصول) وفي العصور المتأخرة من التاريخ العربي الإسلامي ظهر فقهاء مقلدون تبنوا مذاهب السلف فكثرت الشروح و الشروح على الشروح ،وباتت السلفية صفة فارقة تميز الأصولية المجتهدة و المبدعة من الأصولية السلفية التي نشأت إلى جوارها مذاهب الزهد و الطرق الصوفية. ولعلنا نشير في الختام أن مصطلح الأصولية بمفهومه الغربي الحديث دخل إلى البلاد الإسلامية بعد عدة كتابات ظهرت في أمريكا تحمل عنوان الأصوليات. واستعملت عبارة الأصولية للدلالة على التمسك الحرفي بالنصوص الدينية، ونقل الغربيون المصطلح إلى البلاد الإسلامية ووصفوا به طائفة من المسلمين.



image


المهندس / محمد البدري.
الأصولية الإسلامية ودعاوى التجديد:
النكوص والارتداد للجذور القبلية الأولى.
 المهندس / محمد البدري.

     ظلت الأصولية الاسلامية حاضرة طوال التاريخ الاسلامي. لم تنقطع يوما جددت نفسها عبر تولي السلطة غصباً واغتصاباً ليعلن نفسه اميراً او خليفة اسلامي جديد. وكان التنظير لها طبقا لحديث عن تجديد الامة لدينها كل مئة عام. لم يناقش أحد معني التجديد بقدر ما اهتموا بالعودة للأصول. فما هو الجديد في الواقع والذي زاغت عنه ابصار الاصوليون عمداً أو تضليلاً. الجديد هو العلاقات المستجدة مع الارتقاء الاجتماعي والسياسي لمكونات المجتمع خاصة بعد ثورات التنوير والحداثة. لقد جددت المجتمعات، شرقاً وغربا،ً من خارج المنظومة الاسلامية نفسها، ولم يكن التجديد مجاناً أو سهلاً، بل دفعت فيه البشرية اثمانا فادحة كما في الثورة الفرنسية والامريكية والروسية والصينية. كل منهم جدد طبقا لرؤي جديدة استحدثها التطور الفكري والعقلي والعلمي والمعرفي. وهنا يلزم طرح سؤال جوهري ليس فقط عن غياب التجديد المماثل في المجتمعات الاسلامية انما عن ان التجديد الذي يدعو إليه الاسلاميين وصمتت عنه السلطة السياسية لينتشر مجتمعيً وكأنها متواطئة معهم، مشروط بالعودة للماضي وليس التقدم الي للمستقبل. بالحفر المعرفي في الظاهرة الأصولية نجد ان نشأتها عربية ذات جذر قبلي وذلك زمن تسربل التمزق القبلي القرشي بعباءة الدين لحظة نشأة الاسلام. فالتشكيل القبلي لأي جماعة هو أساساً نمط بدائي من زمن الرعي ولم يتجدد طالما كانت بيئته الطبيعية مستمرة معه مشكلة له وجاعلة إياه مدافعاً عنها كونها تشكيل اجتماعي يحمي افراده ويضمن بقائهم حتى ولو اضطروا للغزو والحرب او الفتح سعياً للاحتياجات المادية.
      الوعي بالفارق بين اي مجتمع شرق اوسطي لتشكله التاريخي من قبل ومن بعد الاسلام مع مجتمع النشأة الاصولية العربية يتيح لنا ضوءاً يمكننا من الوقوف بحزم لمن يزعم التجديد بينما الحقيقة هو سعي دؤوب للانتكاس الي ما قبل البداوة العربية. لقد جرفت الأصولية الدينية الإسلامية كثيراً ممن شكلوا اليسار الشعبوي الجماهيري وكانوا وقوداً للمد القومي العربي وساهم البعض لإفراز رؤية فكرية اصولية ادت لتشكيل تنظيمات مسلحة عنفيه الطابع لها لتستعيد جزءاً من تراث العرب الاسلامي المأزوم تاريخياً والعاجز عن اللحاق بأي ركب تجديدي فاعل وحقيقي للمستقبل.



الدكتور/ سمير فاضل.
التعليم والاصولية الإسلامية.
 الدكتور/ سمير فاضل.

      كان التعليم، ولا يزال، هو أحد المحاور المهمة جدا للأصولية الدينية الإسلامية في مصر ، لضمان السيطرة علي مسارات الحياة لأطول فترة ممكنة ، وتعلمت الدرس جيدا بعد الصراع المرير مع الرئيس الراحل جمال عبد الناصر حول السيطرة علي مفاصل الدولة المصرية بعد يوليو 1952 ، علي الرغم من المزايدة الواضحة من جمال عبد الناصر في تديين المجتمع المصري بعدة إجراءات عملية كانت هي الشرارة التي انطلقت منها هذه الأصولية بعد ذلك في مرحلة الرئيس الراحل محمد أنور السادات ، والذي كان قد أعلنها بكل صراحة أنه رئيس مسلم لدولة إسلامية ، ومن هنا بدأت تدخل مصر وبقوة في عباءة الاصولية الإسلامية ، وقدمت أجهزة الدولة والتشريعات القانونية والدستورية بما يسهل مهمة هذه الأصولية في السيطرة علي الدولة المصرية ، والتي كانت ترغب وبقوة في تديين المجال العام في مصر ، وهكذا تحولت دولة بحجم مصر إلي لقمة سائغة علي موائد الشياطين ، وكانت الطامة الكبري عندما تغولت هذه الأصولية وسيطرت علي مراحل وأدوات العملية التعليمية كافة في مصر ، وسيطرت في المراحل الأولي علي كل مراحل التعليم ما قبل الجامعي ، وبقراءة سريعة للمناهج الدراسية وطرق تدريسها في هذه المراحل سوف نكتشف حجم سيطرة الاسلاميين علي التعليم في مصر ، وأمتد التوحش بالسيطرة علي كل كليات التربية في مصر ومعاهد إعداد المعلمين مع مطلع السبعينيات وإلي اليوم ، لم يحدث كل هذا بعيداً عن أجهزة الدولة ومؤسساتها والقوي السياسية المؤيدة والمعارضة ، والتي لم تتحرك لوقف هذا الخطر الداهم علي المجتمع المصري ، فقد امتد تأثير هذه الكيانات علي الجميع الذي صمت بفعل التواطؤ والمصالح المشتركة مع هذه الكيانات الشيطانية ، ولم يدر بخلد كل هؤلاء أن العملية التعليمية في مصر قد فرغت من مضمونها تماما ، ولم يعد الاهتمام الأكبر هو تطوير العملية التعليمية لكي تواكب ما يحدث في العالم المتحضر ، أو حتي ما يحدث في بعض البلدان العربية حولنا ، فقد انشغلت الدولة المصرية في هذا الوقت بأمور أخري كثيرة ، ولم يكن التعليم وما يحدث فيه هو الشاغل الأول لها ، وهكذا تم تفريغ السوق المصري من الكوادر التي تستطيع نقل مصر نقلة نوعية محترمة ، وتجعلنا في مصاف الدول المتحضرة ، فقد كان كل ما يشغلنا هو تديين المجال العام وفقط ، بصرف النظر عن حجم الكوارث التي سببها هذا التوجه لمصر والمصريين ، وتراجعت وبشدة ميزانيات البحث العلمي والتكنولوجي ، وتحولت كل قدرات المجتمع لنصرة هذه الكيانات مهما كان الثمن الذي تدفعه مصر إلي اليوم من جراء هذه التوجه اللعين ، وعندما بدأت بعض الأصوات تعلو محذرة من هذا الخطر ، كان قانون ازدراء الأديان متربصاً بكل محاولة لكشف حجم الكارثة الكبري التي تحدث في مصر ، وهكذا قدمنا لهذه الأصولية الشيطانية كل أدوات التمكين من هذا المجتمع ، وكان التعليم ولا يزال هو الهدف الرئيس لهم ، فهم يعرفون جيداً أن خروج العملية التعليمية في مصر من تحت أيدهم يعني نهاية هذا الشر الذي ابتليت به مصر والمنطقة العربية بل والعالم كله الآن وحيث يدفع الجميع ثمن التواطؤ مع هذه الكيانات الإرهابية .



الأستاذ الدكتور/ جهاد عوده.
الذكاء الاصطناعي في الإرهاب.
الأستاذ الدكتور/ جهاد عوده.

     كان هناك الكثير من التكهنات حول قوة ومخاطر الذكاء الاصطناعي (AI)، ولكن تم التركيز بشكل أساسي على ما ستفعله الذكاء الاصطناعي لوظائفنا في المستقبل القريب جدًا. الآن، هناك نقاش بين قادة التكنولوجيا والحكومات والصحفيين حول كيف تجعل الذكاء الاصطناعي أنظمة الأسلحة المستقلة الفتاكة ممكنة وما الذي يمكن أن يحدث إذا وقعت هذه التكنولوجيا في أيدي دولة مارقة أو منظمة إرهابية. بدأت المناقشات حول الآثار الأخلاقية والقانونية للأسلحة ذاتية الحكم حيث لا توجد إجابات سهلة. وناقشت الأمم المتحدة مؤخراً استخدام الأسلحة ذاتية الحكم وإمكانية إقامة حظر دولي على "الروبوتات القاتلة". هذا النقاش تأتي في أعقاب لقاء أكثر من (100) من قادة أجهزة الاستخبارات الاصطناعية، بما في ذلك إيلون ماسك تسلا ومصطفى سليمان الأبجدية، وتحذير من أن هذه الأسلحة يمكن أن تؤدي إلى "ثورة ثالثة في الحرب". على الرغم من أن الذكاء الاصطناعي قد أتاح تحسينات وكفاءات في العديد من قطاعات اقتصادنا من الترفيه إلى وسائل النقل إلى الرعاية الصحية، عندما يتعلق الأمر بالآلات التي تعمل بالأسلحة لتكون قادرة على العمل دون تدخل من البشر، إلا أنه تم طرح الكثير من الأسئلة.
      ويوجد بالفعل عدد من أنظمة الأسلحة ذات مستويات مختلفة من المشاركة البشرية التي يتم اختبارها بنشاط. في المملكة المتحدة، من المتوقع أن تعمل طائرة تارانيس بدون طيار، وهي مركبة جوية قتالية بدون طيار، بشكل كامل بحلول عام (2030) وقادرة على استبدال الطائرات المقاتلة Tornado GR4 التي يقودها الإنسان والتي تشكل جزءاً من نظام Royal Air Force's Air Force التابع لنظام .Royal Air Force. تقوم دول أخرى، بما في ذلك الولايات المتحدة وروسيا، بتطوير خزانات آلية يمكنها العمل بشكل مستقل أو التحكم فيها عن بُعد. تمتلك الولايات المتحدة أيضًا سفينة حربية مستقلة تم إطلاقها في عام (2016). على الرغم من أنها لا تزال قيد التطوير، فمن المتوقع أن تمتلك قدرات هجومية بما في ذلك الأسلحة المضادة للغواصات. وتستخدم كوريا الجنوبية بندقية Samsung SGR-A1 التي يُفترض أنها قادرة على إطلاق النار بشكل مستقل لمراقبة حدودها.
      وبينما تم تطوير هذه الأسلحة لتقليل الخطر الذي تتهدد الحياة البشرية في النزاعات العسكرية، إلا أنك لست بحاجة إلى أن تكون من عشاق الخيال العلمي للقيام بقفزة لتخيل كيف يمكن للمنظمات الإرهابية استخدام هذه الأسلحة للتدمير الشامل. تختبر الولايات المتحدة والعسكريون الصينيون استخدام الطائرات بدون طيار - العشرات من الطائرات بدون طيار التي يمكن إرسالها إلى أهداف العدو الساحقة ويمكن أن تؤدي إلى القتل الجماعي. صرح ألفين ويلبي، نائب رئيس الأبحاث في تاليس، عملاق الدفاع الفرنسي الذي يزوّد الجيش البريطاني بطائرات الاستطلاع بدون طيار، إلى لجنة الاستخبارات الصناعية بمجلس اللوردات بأن الدول المارقة والإرهابيين "سيضعون أيديهم على الذكاء الاصطناعي المميت في المستقبل القريب جداً" ويردد نفس الشعور نويل شاركي، أستاذ فخري في الذكاء الاصطناعي والروبوتات في جامعة شيفيلد الذي يخشى أن تحصل "نسخ سيئة للغاية" من هذه الأسلحة في أيدي الجماعات الإرهابية. وعلى الرغم من ذلك لا يتفق الجميع على أن الذكاء الاصطناعي سيء؛ ففي الواقع، فائدته المحتملة للبشرية هائلة.
      وعلى الجانب الآخر من طيف الذكاء الاصطناعي، أعلن Facebook أنه يستخدم الذكاء الاصطناعي للعثور على المحتوى الإرهابي وإزالته من منصته. وراء الكواليس، يستخدم Facebook تقنية مطابقة الصور لتحديد ومنع الصور ومقاطع الفيديو من الإرهابيين المعروفين من الظهور على حسابات أخرى. واقترحت الشركة أيضًا أنها يمكن أن تستخدم خوارزميات التعلم الآلي للبحث عن أنماط في الدعاية الإرهابية، وبالتالي يمكن إزالتها بسرعة أكبر من إخبارية الآخرين. ستمتد جهود مكافحة الإرهاب هذه إلى منصات أخرى يملكها Facebook بما في ذلك WhatsApp وInstagram. اشترك Facebook مع شركات تقنية أخرى، مثل Twitter وMicrosoft وYouTube لإنشاء قاعدة بيانات صناعية توثق البصمات الرقمية للمنظمات الإرهابية.
      والشاغل الساحق من جانب الجماعات التي ترغب في حظر الأسلحة ذاتية التشغيل المميتة مثل حملة لوقف روبوتات القاتل، هو أنه إذا أصبحت الآلات مستقلة تمامًا، فلن يكون للبشر دور حاسم في المهمات التي تقتل. هذا يخلق معضلة أخلاقية. وماذا لو كانت بعض الأنظمة الشريرة تستخدم أنظمة التحكم الذاتي القاتلة على شعبها؟ كما قال السيد Wilby، "الجني" قد خرج من الزجاجة ". كما هو الحال مع الابتكارات الأخرى، والآن بعد أن بدأت تقنية AI في التأثير على عالمنا، نحتاج إلى بذل قصارى جهدنا لإيجاد طرق للتحكم فيه بشكل صحيح. إذا كانت المنظمات الإرهابية ترغب في استخدام الذكاء الاصطناعي لأغراض شريرة.
      وقد أعلن مدير جهاز الأمن الفيدرالي الروسي، ألكسندر بورتينيكوف، أن احتمال ارتكاب إرهابيين دوليين جرائم سوف يتوسع بسبب توافر تقنيات الذكاء الصناعي. وفي هذا الصدد، تحدث رئيس جمعية "إنفوروس" وهو خبير في مجال أمن المعلومات، أندريه ماسالوفيتش، في مقابلة مع وكالة "سبوتنيك" عن مدى واقعية استخدام الإرهابيين للذكاء الصناعي، وهل هناك طرق لمكافحة الإرهاب التكنولوجي. وقال أندريه "إن إمكانات استخدام الذكاء الصناعي لأغراض معادية كبيرة جدًا لدرجة أن العديد من مراكز البحوث والمعاهد تكلمت عن ذلك. فعلى مدار العاميين الماضيين، تم نشر الكثير من التقارير، والتي يصف الخبراء من خلالها بالضبط كيف يمكن باستخدام الذكاء الصناعي تقديم الضرر للإنسانية". وأضاف "لن أقوم بذكر بعض الأمثلة، كونها خطيرة للغاية. لكنني سوف أصف الأقل ضررا منها، والذي يمكن أن يصبح حقيقة في غضون عام أو عامين". تخيل أنك تمشي في شارع مظلم وتتفاجأ بطائرتين دون طيار فوق رأسك. إحداهما مزودة بمسدس والأخرى بحقيبة صغيرة. ويصدر عن الأولى صوت بشري يطلب منك وضع أموالك وجهاز الهاتف في الحقيبة، ولا يمكنك فعل أي شيء تجاههما، فهم مستقلون تماما ولا يمكن تدميرهما. وهذا، لسوء الحظ، حقيقة واقعة ستكون في القريب العاجل. أما من الناحية التقنية والفنية، فإن هذا ممكن اليوم. وأردف أنه الآن تفكر السلطات الأمنية جديا في كيفية حماية الأماكن المزدحمة من الطائرات بدون طيار. وتابع قائلا إن الذكاء الاصطناعي يسمح بجعل الطائرات دون طيار صغيرة ومستقلة. أي أنه بدلاً من إسقاط قنبلة من طائرة، يمكنك ببساطة فتح صندوق السيارة وإطلاق آلاف الطائرات الصغيرة دون طيار المزودة بالمتفجرات والرصاص. وهذه واحدة من عدة آلاف التطبيقات للطائرة دون طيار. وأشار إلى الحادثة التي أصابت نجمة يابانية، منذ فترة وجيزة، حيث قام أحد المعجبين بمعرفة عنوانها عن طريق ذكاء صناعي حلل انعكاس العين ووجد المكان الذي تعيش به. بالإضافة إلى ذلك يسمح الذكاء الصناعي بتحليل شخصيتنا، ويقوم بإنشاء شخصية رقمية مشابهة، حيث تستطيع هذه الشخصية أن تأخذ قروض تحت اسمك، أو بيع شقتك، والعديد من الأمور الأخرى. وأضاف أنه لا يتحدث الآن عن الحروب الهجينة (هي استراتيجية عسكرية تجمع بين الحرب التقليدية والحرب غير النظامية والحرب السيبرانية)، والتي يتم استخدام فيها الذكاء الصناعي لأكثر من عام. واختتم قائلا: لذلك، فإن المهمة الرئيسة لأجهزة الأمن العالمية هي حماية التقنيات العالية من استخدامها من قبل "الأشرار". مضيفا أن المشكلة هي أن العالم لم يتوصل بعد إلى طرق لمكافحة الإرهاب الذي يستخدم الذكاء الصناعي..
      وعلى الرغم من أن الإرهابيين أصبحوا ماهرين في التلاعب بالإنترنت والتكنولوجيات الجديدة الأخرى، الذكاء الاصطناعي، فهي أداة قوية في الحرب ضدهم، قال مسؤول رفيع المستوى في الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب في مؤتمر رفيع المستوى حول تعزيز التعاون الدولي ضد هذا البلاء. اختتمت في مينسك اخيرا هذا الشهر، بالتعاون مع بيلاروسيا ومكتب الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب (UNOCT)، "مكافحة الإرهاب من خلال أساليب مبتكرة واستخدام التكنولوجيات الجديدة والناشئة". وقال فلاديمير فورونكوف، أول وكيل أمين عام لمكتب مكافحة الإرهاب بالأمم المتحدة، إن الإنترنت "توسع الحدود التكنولوجية كل يوم حرفيًا"، ويمكن لمنظمة العفو الدولية، ابتكارات التكنولوجيا الحيوية للطباعة ثلاثية الأبعاد، أن تساعد في تحقيق أهداف التنمية المستدامة. لكنه يوفر أيضًا "بثًا مباشراً للفيديو لعمليات القتل الوحشية"، كما قال ، مستشهداً بالهجوم الأخير في مدينة كرايستشيرش النيوزيلندية ، حيث قُتل العشرات من المصلين المسلمين على يد متعصب أبيض. "يتم ذلك من أجل نشر الخوف وتقسيم المجتمع" ، قال رئيس UNOCT ، محذرا من التطورات الأكثر خطورة ، مثل محاولات الإرهابيين لصنع أسلحة بيولوجية محلية الصنع. وأشار إلى أن الإرهابيين لديهم القدرة على استخدام الطائرات بدون طيار لإيصال المواد الكيميائية أو البيولوجية أو الإشعاعية، والتي قال السيد فورونكوف: "يصعب تخيلها". وأكد أن المجتمع الدولي "لا يقف مكتوف الأيدي"، مشيرًا إلى أن التطورات في هذا المجال تسمح بمعالجة وتحديد المعلومات الأساسية، والتي يمكن أن تتصدى للعمليات الإرهابية بسرعة البرق. "تم الكشف عن محتوى الإرهابيين على الإنترنت وحذفه بشكل أسرع من أي وقت مضى" ، أوضح رئيس UNOCT. "من (15) إلى (20) دقيقة تكفي لاكتشاف هذا المحتوى وإزالته بفضل خوارزميات الماكينة".
      وأوضح اعتماد الحوسبة الكمومية بالإضافة إلى استخدام الذكاء الاصطناعي، أن المعالجة السريعة للمعلومات تتيح تعقب الإرهابيين. وأضاف السيد فورونكوف أن استخدام تسجيل blockchain - قائمة متزايدة من السجلات، أو الكتل، المرتبطة باستخدام التشفير - يجري استكشافه أيضًا للتعرف على الشركات والأفراد المسؤولين عن تمويل الإرهاب. "من الضروري زيادة تبادل معارف الخبراء حول تقنيات مثل الطباعة ثلاثية الأبعاد ، والبيولوجيا الاصطناعية ، وتكنولوجيا النانو ، والروبوتات ، وتوليف الوجه الإنساني والأسلحة المستقلة" ، أكد. "سيساعد ذلك في تحديد المخاطر والاستجابة لها بشكل أفضل قبل فوات الأوان".
      قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس (10) يوليو (1019) : الإرهاب "ينتشر ويزعزع الاستقرار" مناطق بأكملها ، ويحذر غوتيريس الدول ، في كينيا إن "صدمة الإرهاب" تؤذي الأسر والمجتمعات وتزعزع استقرار مناطق بأكملها ، حيث عبر عن تضامنه مع ضحايا الهجمات المتطرفة في إفريقيا.



image


دكتور/ عبدالله شلبي.
لكي نَفهم ما جرى: صعود الأصولية الإسلامية.
البدايات: المظاهر العامة للعودة للأصول ودعاوى الأسلمة.
دكتور/ عبدالله شلبي.

      منذ بداية الربع الأخير من القرن العشرين خبرت غالبية المجتمعات العربية والإسلامية، وتلك التي بها أقليات تدين بالإسلام، انبعاثاً قوياً وبارزاً للأصولية الإسلامية يمكن أن نتبينه بوضوح على امتداد الرقعة الجغرافية الممتدة من المغرب العربي على شواطئ الأطلسي، إلى جزر اندونيسيا والفلبين في الجنوب الشرقي لآسيا. ولقد تفاوتت تجليات هذه الظاهرة وآيات حضورها في الواقع المعاش قوة وضعفاً من مجتمع لآخر، وفي مجالات الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والقانونية والفكرية.. كافة. وكان بعث وتجديد الدور السياسي للإسلام من أهم تجليات ظاهرة تنامي الأصولية الإسلامية، وأقوى آيات حضورها، ونحن نلحظ هذا الدور في ظاهرتين: الأولى، تصاعد الفعاليات السياسية باسم الإسلام من قبل نظم الحكم العربية والإسلامية التي دأبت، وبصفة خاصة منذ نهاية الستينيات من القرن المنصرم على استخدام وتوظيف الرموز والمقولات الإسلامية كأدوات أساسية في عمليات التعبئة السياسية والفكرية، وفي تبرير السياسات والممارسات، وفي اكتساب وتدعيم مشروعية الحكم ودوامه، والظاهرة الثانية، نلحظها في النمو المتزايد لحركات المعارضة السياسية باسم الإسلام، وهي الحركات التي تراوحت بين اعتزال المجتمع وهجرة، وبين التمرد وإعلان الثورة لقلبه وتغييره وفقاً لمبادئ وتعاليم الإسلام.
      وكان بإمكان المراقب لتطور ظاهرة تنامي الأصولية الإسلامية في العالم العربي منذ نهاية الستينيات من القرن العشرين؛ أن يدرك وبسهولة، البدايات الأولى لموجة عارمة من التدين تشير إلى أن ثمة تحولاً مهماً قد بدأ في الحدوث في ما يمكن أن نسميه المزاج الديني للجماهير في كثير من البلدان العربية، فثمة مظاهر واضحة للعودة إلى أنماط من الحياة والممارسات اليومية توصف بأنها إسلامية، وأصبحت تشكل وعلى نحو متزايد نمطاً سلوكياً منتشراً، فقد بدأ كثير من الناس يظهرون وكأنهم أصبحوا أكثر إيماناً وولاء وإخلاصاً للأوامر الدينية التي يمليها عليهم دينهم، وبأنهم أصبحوا أكثر تطابقاً مع القيم والعادات والسلوكيات الإسلامية التي انحدرت إليهم من الأسلاف في العهود الأولى للإسلام.
      وتشير المسوح الاجتماعية Social Survey التي أجريت بخصوص الكشف عن التوجهات الدينية الشخصية Personal Religious Orientations إلى حدوث زيادة ملحوظة في هذه التوجهات، فعلى سبيل المثال، أظهرت نتائج مسحين أجريا في تونس عامي (1967/1973) إلى أن من ذكروا أنهم يمارسون الطقوس الدينية بانتظام زادت نسبتهم من (18%) إلى (61%)، والذين يعتقدون أن المسلمين عليهم التقيد بحظر وتحريم الكحوليات تزايدت نسبتهم من (46%) إلى (73%)، كما بدأت تظهر عدة تغييرات أخرى في السلوك الفردي والاجتماعي تشير إلى أن ثمة سعياً حقيقياً للعودة إلى أنماط من الرموز والطقوس والشعائر الدينية، والإصرار الشديد عليها، والحماس البالغ والصريح لها من قبل قطاعات واسعة من السكان على اختلاف انتماءاتهم الطبقية الاجتماعية.
      بدأ كثير من الرجال، الشباب منهم على وجه الخصوص وبشكل متزايد، يطلقون اللحية، ويرتدون الجلباب وغطاء الرأس بدافع التأسي بالتقليد النبوي، وبطريقة توصف بأنها شرعية، كما بدأ يظهر، وبشكل آخاذ ولافت للنظر، في الشوارع وفي وسائل المواصلات العامة والجامعات وبعض أماكن العمل، نساء صغيرات السن في الغالب ومتعلمات، يرتدين زياً لم يكن شائعاً في السنوات المنقضية، فقد أصبحن يرتدين ملابس نسائية طويلة حتى تكاد أن تلامس الأرض وتغطي أجسادهن، ولا تترك سوى الوجه واليدين بدون غطاء، وهو ما عرف بالحجاب ثم ظهر من النساء من يرتدين النقاب ويحجبن أنفسهن تماماً، فلا الوجه ولا اليدين التزاماً واعتقاداً بأن كل ما يظهر من جسد المرأة عورة يجب سترها وحجبها، فضلاً عما يتيحه هذا الزي من إحساس بالهوية الإسلامية المفتقدة على حد تعبير النساء المحجبات اللائي تم استبارهن من خلال البحوث التي أجريت حول ظاهرة الحجاب.
      وانتشرت دعوى الفصل بين الجنسين، وعدم الاختلاط في الأماكن العامة وقاعات الدرس والبحث في المدارس والجامعات، وتم تبرير الدعوة لهذا الفصل بأنه اتقاء للرذيلة وللشرور والآثام التي تنجم عن اختلاط الذكور والإناث، ونشبت معارك، حامية الوطيس، حول مسائل الحجاب والنقاب، وخروج المرأة واشتغالها وصوت المرأة هل هو عورة أم لا؟، والموسيقى وغيرها من الفنون أحلال هي أم حرام؟، وأصبح من المواقف المألوفة، في المجتمع المصري على سبيل المثال، في ندوة أو محاضرة تعقد عن الشعر أو الرواية أو المسرح، أو في حفل غنائي، أن يقوم طالب أو أحد الحضور ليعترض على هذه الفنون بدعوى أنها ضد الإسلام، وأنها نتاج لثقافة غريبة وغربية، تطرح مفاهيماً وأفكاراً وقيماً بعيدة عن النموذج الإسلامي الأصولي.
      واتخذت الممارسات العبادية طابعاً مظهرياً لم كن معروفاً من قبل، فالآذان للصلوات الخمس يتم بمكبرات الصوت، وكذا أداء الصلاة، والصلاة تقام داخل الكليات وأماكن العمل حيث يتم إيقاف الأعمال الجارية، أو انسحاب الطلبة والطالبات من قاعات الدرس لأداء الفرائض واضطلعت قطاعات بعينها من الجماهير ببعض الأعمال ذات الصبغة الدينية، حيث كثر بناء المساجد الأهلية ، وتضاعفت الإنفاقات الشخصية لإحياء الكتاتيب التي تقدم تعليماً دينياً تقليدياً، ونظمت وانتشرت بشكل كبير جمعيات لتحفيظ القرآن، وظهر اهتمام واضح بمقامات الأولياء والأضرحة، وتزايد الإقبال على الطرق الصوفية، ففي المجتمع المصري تضاعفت أعداد المنضمين للطرق الصوفية أربعة أمثال على الأقل خلال عقدي السبعينيات والثمانينيات ( 1970 – 1990)، وزاد النشاط الأسبوعي والموسمي لهذه الطرق زيادة ملموسة خاصة في المدن الكبرى، بل لقد أصبح لبعض هذه الطرق مؤسساتها المالية والاقتصادية والعقارية المزدهرة. أيضاً، تضاعفت أعداد الجمعيات الدينية، إذ تشير الإحصائيات إلى أن عدد الجمعيات الدينية في مصر قد بلغ (4.500) جمعية دينية حتى نهاية يونيه من عام (1980). وقد تعدد وتشعبت الأنشطة التي تمارسها هذه الجمعيات بحيث جاوزت المهام الدينية لتقدم من خلال المساجد العديد من أشكال الرعاية الاجتماعية والصحية والتعليمية والاقتصادية، وفي إطارات جديدة ذات صبغة دينية ومتميزة عن الخدمات التي تقدمها المؤسسات الحكومية والخاصة الأخرى المعنية بهذه القطاعات.
      ونلحظ آيات حضور الظاهرة على المستوى الفكري في نمو الكتابات الدينية، وإعادة طبع وطرح كتابات إسلامية معينة، ثم رواج هذه الكتابات واتساع سوقها وجمهورها، كما عقدت مؤتمرات أقامها المسلمون في أنحاء العالم الإسلامي حول قضايا الأصالة والعودة إلى الذات، والصحوة والأحياء الإسلامي ..، وصدرت العديد من الكتب، والمجلات، والمقالات التي تؤكد على مشروعية الإسلام والقيم الإسلامية كنسق حضاري متميز، وجاء ذلك ضمن خطاب أيديولوجي يتم الترويج له، وينهض على تمجيد الماضي، ويضفي عليه هالة من القداسة، ولا مانع بالطبع من هجاء الغرب والدعوة إلى نبذ حضارته المادية الملحدة، الوافدة والآخذة في الأفول في مقابل إشراق شمس الإسلام مرة ثانية، ودعوة العرب، المسلمين، خير أمم الأرض، الذين كانوا سادة العالم في وقت من الأوقات عندما كانوا متمسكين بدينهم، للعودة إلى دينهم لأجل عودتهم إلى سيادة العالم وقيادته من جديد كما كانوا في الأزمنة المنقضية.



     وظهرت اتجاهات قوية في الأوساط العلمية لأسلمة العلوم الإنسانية فكثر الحديث عن علم الاجتماع الإسلامي، والنظرية الاجتماعية في الفكر الإسلامي، وعلم النفس الإسلامي، والإحصاء الإسلامي، وعلم الاقتصاد الإسلامي والأدب الإسلامي ونقده، ونظرية الأدب الإسلامي والمسرح الإسلامي، وشاعت دعاوى في الأوساط الأكاديمية بأن تلك الأنواع المبتكرة والجديدة من العلوم نابعة من بيئتنا الإسلامية المتميزة وتتفق مع طبيعتنا، مُدعين أن العلم الوافد هو غزو ثقافي غربي، وامتدت ظاهرة الأسلمة Islamization لتنال العلوم الطبيعية أيضاً، فعقدت مؤتمرات عن الإعجاز العلمي في القرآن، والإعجاز الطبي في القرآن، والطب النبوي والطب الإسلامي، وكثر الحديث عن العلاقة القائمة بين الدين والعلم ومحاولات استخراج الحقائق العلمية ووسائل علاج الأمراض وقوانين الفلك من القرآن، ومحاولة تأكيد صحة الدين بالأدلة العلمية، كما ظهر فريق من الباحثين المسلمين يشكل القطاع الأعظم منهم طائفة نفعية من الأكاديميين، أساتذة الجامعات والمعاهد العليا الوافدين للعمل في بلاد النفط وكانت مهمتهم إيجاد الأسانيد الشرعية من قرآن وسنة لتسويق شرعية الأفكار والعلوم والمكتشفات والمخترعات الحديثة وإيجاد غطاء إسلامي يبرر تداولها واستخدام تطبيقاتها لدى المسلمين، إرضاءً لبيئة الثقافة الاتباعية في بلاط النفط التي وفدوا إليها بدعوى الحفاظ على الإسلام وفي الوقت ذاته يحافظون على مكاسبهم الدولارية منها.
      وعلى المستوى القانوني والتشريعي، ارتفعت الأصوات المطالبة بإلغاء كل تشريع يتعارض مع الشريعة الإسلامية، وتدعو إلى تطبيق الشريعة والالتزام بها والاستعاضة بها عما عداها من القوانين الوضعية، ووجهت انتقادات بلغت حد الإدانة لبعض الحكومات العربية لتهادنها وتراخيها في تطبيق الشريعة، وارتفعت المطالبات التي تدعو الحكومات لاتخاذ التدابير والإجراءات اللازمة لمنع وحظر إنتاج الخمور وبيعها، ومنع الإفطار العلني في شهر رمضان ومعاقبة من يجاهرون بإفطارهم، ومواجهة الأفكار الملحدة في الكتب والمجلات والدوريات، ومطالبة الحكومات بإصدار تشريعات لمعاقبة الكتاب والمفكرين الذين يتعرضون للإسلام أو للعقائد الدينية بسوء أو ازدراء، ويلاحظ أن دعاوي تطبيق الشريعة قد تمحورت حول قضيتين أساسيتين: الأولى هي مسألة تطبيق الحدود, والثانية تتعلق بقضايا الأحوال الشخصية.
      ونأتي إلى التجليات الاقتصادية المواكبة لصعود الأصولية الإسلامية إن تأمل هذه التجليات يكشف لنا عن أنها قامت على أساس تحويل القدرة والطاقة الدينية والإيمانية التي اشتدت حميتها في العقدين السابع والثامن من القرن العشرين، إلى ارتباط مصلحي ومؤسسي للمؤمنين، فالنظم الاقتصادية يتم تصنيفها على أساس ديني، فثمة اقتصاد إسلامي، واقتصاديات أخرى غير إسلامية، وإن شئنا الدقة اقتصاديات ملحدة وكافرة، وأدى بزوغ الأصولية الإسلامية إلى حدوث تحويرات وتحولات في النظم الاقتصادية خاصة النظم المصرفية والمالية، لجعلها مطابقة لمبادئ وتعاليم الإسلام، ولقد تأسست العديد من البنوك الإسلامية(. وظهرت شركات توظيف الأموال الإسلامية. وادعت هذه المؤسسات المالية أن معاملاتها الاقتصادية تجري وفقاً لتعاليم الإسلام ولا تشوبها شبهة الربا المؤثم دينياً، أيضاً تأسست شركات ومحال تجارية ومستشفيات علاجية تحمل أسماء دينية، أو أضيفت كلمة إسلامية لنوع النشاط الذي تمارسه أيضاً يلاحظ ارتفاع وتزايد المطالبات في عدد من المجتمعات العربية بضرورة تبني الدولة لعملية تنظيم الزكاة والملائمة بينها وبين الضرائب الوضعية.
      والمتتبع للتطورات التي شهدتها المجتمعات العربية في مجموعها منذ نهاية العقد السادس من القرن العشرين، وبالتحديد بعد هزيمة يونيه في عام ( 1967)، كان بإمكانه أن يرصد اتجاهاً قوياً لدى عديد من الحكومات العربية نحو التركيز على اعتماد المقولات الإسلامية كأسس لنظم الحكم في مجتمعاتها، تبرر بها وجودها، وتبني عليها مشروعيتها وتتخذ منها خطاباً وسيطاً بينها وبين خصومها، وبين الجماهير العربية في عمومها بل إننا يمكن ألا نستثنى نظاماً عربياً واحداً من بين الأنظمة العربية، رجعية كانت أم تقدمية، على حد التصنيفات التي كانت شائعة ومتداولة في ساحة السياسة العربية في عقد الستينيات من القرن العشرين، لم يلجأ إلى الإسلام ويستخدمه كسلاح نظري في إدارة صراعاته الداخلية والخارجية. وفضلاً عن الأنظمة العربية قديمة العهد بالهُوية الإسلامية كالعربية السعودية والمغرب، كان ثمة أنظمة عربية وصفت في الستينيات بأنها أنظمة تقدمية، قد اتخذت من الإسلام خاصة، والدين بعامة، عكازاً تتكئ عليه في تهدئة الجماهير العربية، وفي تغطية العجز والفشل الذي فضحته هزيمة يونيه عام (1967)، وذلك بإشاعة التفسيرات الدينية والروحانية لانتصار إسرائيل وهزيمة العرب فهي قدر وتحقيق لإرادة الله، وامتحان من الله ، وعلينا قبول هذا الامتحان الإلهي على حد تعبير الرئيس عبد الناصر، ومن ثم تعزية الجماهير وتسكينها فيما يتعلق بنتائج الهزيمة وأبعادها وإمكانيات تجاوزها، بل لقد وصل الأمر إلى حد الاحتضان الرسمي من قبل هذه النظم لموجات من الهوس الديني كما ظهر ذلك جلياً في واقعة تجليات وظهور السيدة مريم ، وقيام هذه النظم عبر مؤسساتها الأيديولوجية بتزيين الخرافات وإظهارها بمظهر الحقائق العلمية، تشويهاً للواقع وسلباً لوعي الجماهير، وتزييفاً لوعيها بحقائقه، ثم تزويدها بوعي زائف يضمن الاستسلام ودوام السيطرة.
      وفي المجتمع المصري، وعلى سبيل المثال، كانت أهم الملامح الرئيسة لنظام حكم السادات هي استعادة الرموز الدينية، فمنذ أن قدم السادات إلى السلطة، أخذ يؤكد على اسم محمد كاسم أول له، واصفاً نفسه بالرئيس المؤمن، منهياً خطبه بآيات من القرآن، وفي عام (1978) صدرت وثيقة أيديولوجية للنظام عن الاشتراكية الديمقراطية، تؤكد بشدة على الإسلام كمصدر أساسي للشرعية، وتم تعيين شيخ الأزهر على نفس بروتوكول رئيس الوزراء، وقام رئيس مجلس الشعب المصري آنذاك، صوفي أبو طالب، بتشجيع عملية تقنين الشريعة الإسلامية وإعداد مسودة لتعديل الدستور المصري تجعل من مبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيس للتشريع، وليس فقط أحد مصادره، المادة الثانية من دستور (1971)، ولقد تمت الموافقة على هذا التعديل في مايو من عام (1980)، وقبل هذا التاريخ بثلاث سنوات اقترحت وزارة العدل المصرية إصدار تشريعات تحدد عقاب الردة بالموت، وبمنع الربا، وقطع يد السارق ورجم الزاني والزانية بالحجارة حتى الموت، وكان مجلس الشعب المصري قد قبل تلك الاقتراحات، وبعدها بعام واحد أقر قانوناً يجرم تعاطي المسلم للخمور، ويحظر بيعها في الأماكن العامة باستثناء تلك الأماكن المخصصة للسياحة.
      وعلى مستوى الخطاب السياسي الرسمي لنظم الحكم العربية، حدث تغيير ملحوظ في اللغة السياسية المتداولة خلال الربع الأخير من القرن العشرين، وكان أهم ما يميزه هو الاستخدام المتزايد للرموز الإسلامية، فالسياسيون العرب أصبحوا أكثر حرصاً على بيان أن أفكارهم وبرامجهم لا تتعارض مع الإسلام، ولا تتناقض مع مبادئه، ومن ثم بدأوا يظهرون اهتماماً أكبر بالرموز الإسلامية وبالشريعة الإسلامية. ففي مصر دعمت القيادة السياسية الجماعات الإسلامية لأحداث توازن مع جماعات المعارضة اليسارية، وكثيراً ما كان يشار إلى الرئيس السادات على أنه الرئيس المؤمن "محمد أنور السادات"، وكان عادة ما يختتم خطبه بمقتطفات دينية، وأصبح الإلحاد هو السمة الرئيسية التي كان يستخدمها لوصف معارضيه السياسيين.
      يبقى أن نشير في نهاية هذا الرصد لعمليات الأسلمة إلى تزايد اهتمام الحكومات العربية بالتعليم الديني، ففي عام (1977)1977، عُقد في المملكة العربية السعودية مؤتمراً للتعليم الإسلامي، حضره ممثلون لأربعين دولة إسلامية وعربية، وكانت أهم توصيات المؤتمر ضرورة تبني سياسة تعليمية تنهض على أساس الرؤية الإسلامية التي تشتق مبادئها من المصادر الإسلامية المتميزة عن الأيديولوجيات الوضعية، كما أكد المؤتمر على ضرورة إعادة النظر في مناهج العلوم الطبيعية وطرق تدريسها بغرض إزالة الفجوة المصطنعة، في رأي المؤتمرين، بين الدين والعلم، والتي اعتبروها بدعة وافدة من تراث الغرب، وقد قامت العديد من الحكومات العربية بأحداث تحويرات وتغييرات أساسية في المناهج الدراسية بهدف زيادة المحتوى الديني في هذه المناهج في جميع مراحل التعليم.



المهندسة / منال محمد.
المدلول الديني للألوان.
 المهندسة / منال محمد.

      يحق لنا أن نسأل هل يتم تكوين الألوان في الطبيعة بطريقة آلية تشبه تلك الطريقة المتبعة في المعامل.. أم تتكون نتيجة لعمليات طبيعية متدرجة بحساب دقيق؟، فنحن نري تداخل الألوان في الجبال ومدي تباينها وانسجامها، وتستطيع أن نقول أن لكل لون موجات تؤثر في أفكار الإنسان ومشاعره، وقد تم الإشارة الي الألوان في القرآن وقد تم الإشارة إلي مدلولها كل منها حسب الموقف والحالة المذكورة؛ فتم وصف الجبال بالحمرة والسواد ونستعرض هنا بعضاً من هذا. فاللون الأبيض تم وصف يد النبي موسى بأنها قد خرجت بيضاء رغم أنها اصلاً سمراء ويدل هذا على الطهر والنقاء والصلاح والوضوح. واللون الأصفر الفاقع في وصف بقرة بني إسرائيل فهو اصفر مع ابيض وهو جميل ومريح للناظرين... أما وصفه للزرع انه مُصفر فإنما يدل على الهلاك والحطام.
     ويدل اللون الأخضر في وصف قدرة الله في خلق المزروعات والنباتات وإحياء الموتى وبث الروح فيهم فالأرض بعد جدبها تنتج زروعاً وثماراً فهو يدل إذن على الاستقرار والراحة والأمان والنعيم على نحو ما جاء في وصفه لأهل الجنة. اما اللون الأزرق الغامق فقد تم استخدامه للاستدلال على الحشر وهو تحويل لون الدم الأحمر الي الأزرق دليل على احتباس الأكسجين في الدم وما يتبعه من كآبة وحزن وموت أيضاً.. على عكس اللون الأزرق الفاتح أو النيلي فهو يرمز للبرودة والمحبة والسلام وأيضا يبعث على الاسترخاء وتخفيف التوتر ونجده كثيراً في الزخارف الإسلامية. وذكر اللون الأحمر مرة واحدة في القرآن في وصف الجبال وجمالها(حمر) وهذا يدل على أن الأحمر لون ثابت وهو من الألوان الاساسية التي تدخل في تركيب باقي الألوان مع الأزرق والاصفر. ولسنا هنا بصدد كيفية تركيب الألوان عبر الازمنة السحيقة ولكننا فقط نببن المدلول الديني لكل لون.. ويمكننا ان نتعرض بعد ذلك لكيفية تكوين تلك الألوان في الطبيعة في الاعداد التالية.



image


المهندس/ خالد النشوقاتي.
أيام الانسان الأولي.
 المهندس/ خالد النشوقاتي.

النوم مهاجر مضجعه
مش لان الصخره كانت مخدعه
لا
الحلم شاغل دنيته
والدنيا كانت خطوتين
خطوة ملاك
والتانية مع اول قتيل
كان الغراب بيزك لسه في خطوته
وف دفنته اول غراب
عرف الخراب في الدنيا اول سكته
يا وكسته
من يومها
خرج الامان وما عادش تاني
انسان
فين انت يا طوق النجاة
يا قلب ممدود بالحياة وبألف اه
صلبوك على شدة خشب
ودقدقوا المسامير
غرزت في كف اديك
شقّت الجلد الرقيق
السن.. ضربة غل
كسَّرت العظام
اااااه
قلبك نبي
الله بيتمد في عروقك.. والنبي
روح الاله
صعدت وفاتت دنيتك
تراتيل صلاة
الله
غزلوا الحروف مع حرف حبل المشنقة
قتلوك بأطواق النجاة
يا قلب مشدود للحياة
الله..
الله عليك
تفتح بيبان المعرفة
تسبق خطاك للمذبحة
خطاويك تملي مهلكة.. وانت الطريق
انت البداية المنجزة
وانت اللي خارج من بطون المعجزة
بابك هناك
ولا هنا
خوفك مكبل خطوتك.. تمشي سنة
ولا
ولا تخطيش
فتعيش علي
حرف الحروف
جدول بداية معرفة
الشهوة تاخدك من حشاك
ومن وراك
تعطل..تعطّل..فكرتك
روحك تروح من كفيتك
وانت اللي كانت كفتك
بالوعد شايله خطوتك
ياااا وكستك
ايام بعيشها افهمك
انت اللي ناحت في الصخور
وانت اللي قدست القبور
وانت اللي علمت البشر
طلق البخور
فتكعبلوا واتكبلو
فتشعوذوا واتبخروا
فاتعلموا واتمدنوا
وفضلت وحدك للهلاك
طال انتظارك في الخلا
تخرج عقول
تؤدها مع اول ظهور
فالليل يطول
تعشق قمر
والشمس تفضلك نجاة
النجم عارف سكته
يوم الانفجار
اتفجّرت ينابيع حياة
روضتها
شكلتها
اسست قسمك
وانسانك تماهي
في انسانيتك
ففاض الكون وساع.. حريتك
الله علي شموخك
ما ابدعك
علمت عالصوان
واتفجّرت دهشة على مر السنين
وانت واقف
مش قد دهشتهم
فين دهشتك!
اتمكن الريح مالعلام
نعكش الناس في المقام
فتلخبطوا
واتكعبلوا
وسط اللي بايت م الكلام
يا انساااان
يا نهر فاض في البحر
موت من غير ابد
حان القيام
دمك ما يرشمش الصليب
دمي مالوش شكل الهلال
الدم دم
يرضي الالام
يروي الفتن
يعيش بنبضك
سر اسرار الحياة
الله
الله عليك
وانت بتطّهر اديك
في نهر النيل
والنهر كان من اولك
بيعلمك
والشمس
يا ظل الاله
الله



الأستاذ / حسن إسماعيل.
ابن ضال مؤمن .. وابن بكر ملحد
الأستاذ / حسن إسماعيل.

      أكتب مهما أكتب.. ويظل هذا الصوت الخفي
بانوراما لكل أوراقي البيضاء
كأنه أزلي أبدي في أبجديتي
لا أقدر أن أهرب منه ولا يهرب مني
تتغير الفصول ولا يتغير
بكاء مكتوم لمظلوم وجوع فقير للبر
أسئلة عيون الأطفال وأجوبة تجاعيد العجائز
مرت السنين كالقطار السريع الذي لم يؤمن بالمحطات
ولا بالمنتظرين على الأرصفة
ولكن ظل المطلق الوحيد في سماء هذا النسبي
أحشاء تتحنن ومخاض يريد أن يطلق المأسورين أحرارا
شئ ما في هذا الكوكب يدفعك للشجن
رغم كم التفاصيل الجميلة والمبهجة
وعيك وبصيرتك لا يتركوك وحيدا كثيرا
يغيروا أطعمتك اليومية بالأسئلة وبملح الحزن العاجز
فلا يصيبك الملل والروتين في مقتل
ولا تقدر أن تطعنك الإجابات الساذجة الخرافية بخنجر في الظهر
محصن بوجع النايات
فمواجهة الذات يمنع عنها الاستسهال
وسراب الأغطية التي يخترقها البرد بكل سهولة ويسر
فكم قلعة مأمنة بالقش
وكم قلب يسكنه الخواء
وكم أرض خربة وخالية من البوح
في العالم تعرف أن الظلم قد تربع منذ زمن على العرش
وأن الأنانية اقتربت من الاكتمال في العالم..
لتصير سر الإثم.. ويكتمل النقص
وأن أصحاب القلوب اللحمية سيظلون حزانى وفرحين
متألمين وسعداء
أطفال وحكماء
لأن الجموع الملقاة على قارعة الطريق تفوق الخيال ولكن يظل النير هين
عجزك أمام الفقراء والمتألمين والمرضى والعجائز
وأنت تقدم القليل القليل جدا.. مؤلم
لكن معرفتك ويقينك أن الحب أقدر منك..
أعظم منك.. أعمق منك.. أجمل منك.. أعدل منك
يجعل الانتظار تاج على رؤوس الصابرين لا يرونه غير المتألمين بحق
في العالم كل الأشياء يمكن أن تجعلك تكفر
وتحمل لذاتك ورغباتك وأسئلتك ووحدتك وبكائك ووجعك في حقيبة قلبك وترحل
ويمكن أن تجعلك كل الأشياء أيضا تؤمن
وتحمل لذاتك ورغباتك وأسئلتك ووحدتك وبكائك ووجعك في حقيبة سفرك وترحل
لست من هواة التفريق بين الملحد والمؤمن في الأنسنة
ولا أتقن فعل الرجم
ولم اشتري يوما ميزان للإدانة
فقد علمتني الحياة كم ابن ضال تغير وأصبح أقرب من ابن بكر
ولأني لست أب الاثنين.. لا الملحد والمؤمن
ولا أب الضال ولا البكر
بل واحد منهم.. وقت ضال ووقت بكر.. فالتيه قد أصاب الكل
وكثيرون من غرقوا وقليلون من نجوا.. جذبهم الشاطئ
تعلمت أن سرائر قلب العشق
تسكن في صمت العجز في أنين المرضى المنتظر
في جوع الفقراء للكرامة قبل الخبز
في بحث سجين الجوهر عن الحرية قبل هدم السور
فالقلب اللحمي يعرف سر انقراض الديناصورات وهزيمة التوحش
مهما ربحت الأنانية على شاشة العالم السوداء.. البقاء للحب
وللخير الذي يعرف أين يجول وكيف يجول ومتى يجول
ولأجل كل المجهول في كواليس الكون أوقفت التنبوء
أوقفت كبرياء قراءة الفنجان والمستقبل والأخرويات والكون
صرت أصغي لضمور الحرف لعل المعنى يتسع.





image

اﺗﺼﻞ ﺑﻨﺎ

رأيك يهمنا

"Show Menu"